خريف القبلية وربيع الأمة الديمقراطية
محسن عوض الله
خرج وكان طبيعياً أن يخرج، ثار وكان بديهياً أن يثور، صرخ وحقاً له أن يصرخ، أنه الشعب الكردي في جنوب كردستان حيث الشمال العراقي.
..ارحل .. بهذه العبارة عبر الشباب الكردي الغاضب عن سخطهم من النظام والقبلية والأحزاب التي تتحكم في الإقليم منذ عقود.
في كردستان العراق حيث الوضع لا يختلف عن الوضع بدول عربية كثيرة حيث سلطة حاكمة تلاحقها تهم الفساد تنعم في خيرات البلاد دون رقيب أو حسيب، وشعب يعمل ليل نهار دون أن يستطيع مواجهة متطلبات الحياة، في كردستان هناك مقربون من السلطة يملكون المليارات وفقراء مقربون من الموت لا يجدون الفتات.
في كردستان حيث الرئيس زعيم العشيرة ونصف الوزراء أبناءه وأبناء أشقائه وأقاربه، والنصف الآخر أبناء زعيم قبلي أخر في وضع لا يختلف كثيرا عن دول عربية كان نصف وزراءها في وقت من الأوقات أولاد خالة.
فشلت كردستان العراق أن تصبح دولة قومية إنها احقاقاً للحق تتمتع بكل صفات جيرانها من الدول العربية والشرق أوسطية ولا تقل عنهم في شيء، في كردستان مثل معظم الدول المستبدة حيث المعارضة خيانة، والتجمهر جريمة، والتظاهر عمالة، والتفكير رجس من عمل الشيطان.
في كردستان مثل كل الدول العربية الفاشلة حيث الزعيم يعرف أكثر، ومصلحته دائماً مقدمه على مصلحة البلاد والعباد فهو زعيم القبيلة وشيخ العشيرة ابن الزعيم حفيد الشهداء والأبطال ….
في كردستان مثل معظم الدول الفاشلة حيث الأجهزة الأمنية في خدمة السلطة وليس الوطن، والذخيرة الحية مكانها صدور معارضي النظام وليس أعداء الوطن فهم دائماً أسداً على الشعوب ونعامة على الأعداء.
في كردستان كما في معظم الدول العربية القومية ملك الموت هو المسؤول عن تغيير الرئيس ، وحال رغبة الزعيم في التقاعد فلن يجد أكفأ من نجله لينصبه خليفة كي يحافظ على مسيرة الفساد والاستبداد ويحمي ثروة العائلة التي تم جمعها من قوت الشعب المقهور .
لكل هذه الأسباب وغيرها كان لابد أن تنطلق مظاهرات الغضب في كردستان العراق، فالحلم الذي تحمل كرد العراق من أجله الظلم انتهى على كابوس مرعب، فقد خلاله الإقليم مميزاته كإقليم فيدرالي حتى اسمه أصبح شمال العراق وليس كردستان، وأصبحت كل معابره وحدوده تحت سيطرة الحكومة المركزية، حتي مدينة كركوك التي تعتبر بمثابة قدس الكرد تواطأت الأحزاب الكردية حتى أضاعتها، والبشمركة الكردية التي تفتح نيران أسلحتها على المتظاهرين سلمت مفاتيح كركوك لبغداد دون طلقة واحدة.
هو ربيع كردي نتمناه أحسن حظاً من الربيع العربي، ربيعاً ينهي حكم القبيلة والعشيرة التي عفا عليها الزمن، نريده ربيعاً للديمقراطية الكردية وخريفاً قارصاً على القبلية والعشائرية والقومية.
نريد ربيعاً على غرار روج أفا حيث فيدرالية الشمال السوري التي نجحت في فرض نفسها على الساحة السورية، وقدمت أطروحاتها كحل مثالي وفريد لأحد أصعب الأزمات التي واجهها النظام العالمي خلال العقود الماضية.
نجحت روج أفا في صناعة كيان يحمل في صلبه بذور الديمقراطية التي ستكبر حتماً ويكتمل نموها بمرور الأيام.
لا يحتاج شباب روج آفا لثورة على غرار أقرانهم بجنوب كردستان، ففي الفيدرالية السورية لا يوجد سلطة متحكمة أو فاسدة بل حكم تشاركي يتألف من كل القوى والأحزاب في إدارة ذاتية تعبر عن الجميع بلا تمييز بين عرق أو دين أو قومية .
في روج أفا ليس هناك زعامات عشائرية أو قيادات قبلية تسيطر على المشهد، ليس هناك سوى فكر أوجلان الزعيم الكردي المعتقل بأحد الجزر التركية منذ قرابة 20 عاماً.
نجاح ثورة أكراد العراق واكتمال نجاحات روج آفا ربما تغير من المشهد بالشرق الأوسط بالكامل، وقد تنتقل عدوى الديمقراطية للعرب ليكون الكرد والعرب معاً أمة ديمقراطية لا تفرقها قومية ولا مذهبية، أمة لا تعرف المصلحة الحزبية ولا العشائرية، أمة ترتقي فوق الأديان ولا يعرف التطرف لها طريقاً، أمة ديمقراطية يصبح فيها ابن عامل النظافة قاض ويسكن الفاسدون فيها السجون لا قصور الرئاسة ..