البالة وسر اهتمام الناس بها
بين الماركات الحديثة والقديمة وأكوام الثياب الممزقة أحياناً والغير مرتبة أحياناً أخرى، يغطس الراغبون بشراء قطع البالة بين الثياب فيبدلون قطعة ويقيسون أخرى ويقارنون أنواع البالة مع بعضها البعض، حتى غدت أسواق البالة ظاهرة متفشية في المجتمع السوري بسبب الغلاء وسوء الأحوال المادية، يبادر السكان لشرائها بكافّة الأعمار والطبقات الاجتماعية فهي توفر عليهم الكثير من المال الذي يمكن أن يستفيدوا منه لأمور أخرى.
خاصّة أن الصناعة السورية تراجعت في الأيام الأخيرة، بسبب الحروب فأصبحت البضائع غالية الثمن وبغير جودة، مما أفقدها الإقبال الواسع وجعل البضائع الأوروبية حتى وإن كانت مستعملة أفضل بكثير وبسعر أقل تكلفة.
وبالرغم من أن هذه الألبسة تسبب الأمراض أحياناً لأنها مستعملة وقد تنقل الجراثيم، أو بسبب المواد التي توضع لها بحيث يوضع بينها مساحيق كيميائية تحفظها من القوارض والعث، إلا أن الناس لا يهمها، فتقبل عليها أكثر من سواها من المحلات.
وفي مخيم عين عيسى بشكل خاص، نلاحظ تجمع الأهالي حول تلك الدكاكين لشراء هذه الأغراض المستعملة، وقد اعتادت فاطمة موسى التوجه إلى صيوانٍ ضخمٍ يحوي أكياس البالة المفتوحة، تتفقد الألبسة المتواجدة وتبحث ما تحتاجه، وتتفحص القطعة بشكل كبير لتتأكد من خلوها من العيوب، ثم تبدأ بالمبارزة على سعرها حتى تقتنيها.
وتقول فاطمة التي كانت تعيش في الرقة سابقاً المرأة العشرينية الميسورة الحال الآن أصبح الكل سواسيةً ومعاناتهم واحدة والدخل الشهري لا يكفي أحياناً لسد الاحتياجات الضرورية بعد تحكم التجار بالأسعار تارة وارتفاع الدولار تارةً أخرى.
أما زكريا المحمد من مدينة الرقة الذي كان يعمل سابقاً تاجراً للمواد الغذائية في الرقة، وفد إلى مخيم عين عيسى منذ أربعة أشهر، وافتتح بالمخيم دكان بالة كبير على شكل صيوان، وأضاف زكريا أن مشروع البالة مشروع جيد ولا يكلف الكثير من رأس المال، كما أني لا أعقد صفقات كبيرة حتى لا أتعرض للخسارة، فأنا مبتدئ في هذه المهنة، وأرتب القطع حسب تصنيفها ولكل قطعة سعرها الخاص بها، كما أن هناك إقبالاً واسعاً على هذه البضائع في بداية الشهر بسبب قبض الموظفين لرواتبهم، وأقل نسبة للمبيعات تكون عندما توزع المنظمات الإغاثية للأهالي الألبسة، وأشار إلى امرأة تقف بجانبه وهو يقول: إن ياسمين زوجتي تساعدني بهذه المهنة لتأمين لقمة عيشنا.
ولاحظنا أيضاً جاسم المحمد فقصته لا تختلف كثيراً عن قصص المخيم، لقد جاء هارباً من الحروب التي دمرت منزله وبيته لحضن المخيم عله يجد فيه مكاناً آمنا، وعاد لتجارته القديمة ببيع الأقمشة والألبسة التي تناسب كل الأعمار، وما يثير الاهتمام جاسم وعائلته لا يرتدون إلا ألبسة البالة وأضاف جاسم المعيشة صعبة ولابد لنا من التوفير حتى نتمكن من العيش.
تعتبر تجارة لباس البالة تجارة قديمة جداً، عمرها ما يقارب المئة عام ظهرت كحالة اقتصادية بعد الحرب العالمية الأولى بسبب الانتشار المفرط للفقر بين المدنيين والهجرات التي حصلت في جميع أنحاء العالم مما أدى إلى ظهور جمعيات خيرية توزع الألبسة المستعملة على اللاجئين والفقراء، وتتوسع فيما بعد الحرب العالمية الثانية لتصبح تجارة اللباس المستعمل.
كما نلاحظ أن متبقيات البالة الغير مرغوب بها ولا تباع يتم تجميعها حتى يعاد تدويرها باستخدام آلات خاصة لتتحول إلى درافيرا وهي حشوة للأثاث في سوريا بشكل خاص لم يكن لباس البالة مرخصاً بل كان يأتي بالتهريب ولم يكن الإقبال عليه كثيراً، أما الآن انتشرت هذه الظاهرة بشكل مفرط وأصبح الأغنياء يقبلون عليها أكثر من الفقراء.
المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية