النفاق العالمي بين عفرين والغوطة
محسن عوض الله
لا حديث بوسائل الإعلام الدولية خلال اليومين الماضيين سوي عن الوضع بسوريا والضربة الأمريكية المرتقبة على دمشق، استيقظت أمريكا وحلفائها الأوروبيين ومن ورائهم العالم فجأة، وتحركت قلوبهم “الرقيقة “، بعد أن اكتشفوا فجأة أن هناك جرائم حرب تحدث في سوريا!
تهديدات أمريكية، وتوعد أوروبي، وقصف إسرائيلي على مواقع للنظام السوري وحليفه الإيراني بدعوي ارتكاب جرائم ضد المدنيين بالغوطة.
ظهر العالم وكأنه أعمى عاد إليه بصره من جديد، أو أصم استعاد القدرة على السمع، فما الجديد فيما يحدث بسوريا، فالجرائم لم تتوقف منذ 7 سنوات.
هذا العالم المنافق هو من أغمض عينيه على جرائم تركيا في عفرين على مدار أكثر 58 يوماً، ارتكبت فيهم أنقرة كل أنواع الجرائم، ومارست حرب إبادة تجاه المدنيين والأطفال.
58 يوماً من الإجرام التركي بحق الأكراد في عفرين، سقط فيها أكثر من 500 شهيد وأكثر من 1000 جريح فضلاً عن استهداف دور العبادة والمستشفيات والمدارس.
58 يوماً استُخدمت فيها الأسلحة المحرمة، وقُصف المدنيين الآمنيين بالنابالم وغيره، هُدمت البيوت وشُرد الأطفال، ورُملت النساء.
رغم كل هذه الجرائم لم يتحرك أحد لإدانة الإرهاب التركي، قرابة الشهرين والعالم بأكمله يرفع شعار ” لا أري لا أسمع لا أتكلم “.
وبعد أن أنهت تركيا جريمتها، ودمرت المدينة، وشردت أهلها، بدأ العالم يتحدث عن مآسي المدنيين بسوريا! أي نفاق هذا؟!
خلال أيام الحرب على عفرين تواطأت روسيا، وصمتت إيران، وتجاهلت واشنطن وتل أبيب، واختفت أوروبا، وغاب مجلس الأمن، وتجمدت الأمم المتحدة، لم نسمع للجميع صوتا ولم نرى لهم فعلاً، وصدق فيهم قول الله “أموات غير أحياء “.
لم يمانع هذا العالم التحركات التركية والجرائم التي ارتكبتها في عفرين، لا لشيء سوى أن واشنطن لها مصالح مع أنقرة تريد الحفاظ عليها، وموسكو أيضا تريد مقايضة تركيا على شيء في سوريا، فلا مانع من ترك أردوغان يقتل الأكراد مقابل أن يترك الأخير موسكو والنظام يقتلوا أهل الغوطة، وإيران أيضاً أغمضت عينها عن قتل الكرد في عفرين مقابل حماية مصالحها بسوريا.
فجأة دبت الروح في المجتمع الدولي، استعادت أمريكا قدرتها على التهديد، واستعادت فرنسا قدرتها على النطق، ظهرت أستراليا، وتحرك جسد الأمم المتحدة بعد شلل، اجتمع مجلس الأمن، ظهر العالم كأنه يمتلك ضمير، وكأن هناك أخلاق تحكم، وكأن هناك شرعية دولية وقيم ومبادئ ووووو
الحقيقة المرة التي لا يمكن أن ينكرها أحد أن هذا العالم بلا أخلاق ولا مبادئ، فالنفاق هو القاعدة الحاكمة لأي تحرك دولي، ولا يمانع هذا العالم بمنظماته وهيئاته الدولية من سقوط مئات بل آلاف بل حتى ملايين البشر كضحايا مادام مصالح القوي الكبرى محفوظة ولم ينتهكها أحد.
أعتقد أن التهديدات الأمريكية الأخيرة بقصف سوريا مجرد محاولة أمريكية لإثبات وجودها في ظل سيطرة موسكو على مقاليد الأمور بسوريا، فضلاً عن أنها تعبر بشكل أوضح عن حجم التناقض والخلاف داخل الإدارة الأمريكية التي أصبحنا لا ندري من نصدق فيها، ترامب الذي أعلن نيته الخروج من سوريا، أم البنتاغون الذي له علاقات مشتركة قوية مع قوات سوريا الديمقراطية، أما الخارجية التي يبدو أنها آخر من يعلم بسياسة أمريكا الخارجية.
الضربة الأمريكية المتوقعة حال حدوثها لن تكون كما يتوقع البعض مدمرة قاتلة للنظام لأن واشنطن تدرك جيدا أنه لا بديل عن النظام السوري، وأن من تسمي نفسها بقوي المعارضة مخترقة من الجماعات الإرهابية ومعظم عناصر داعش انضمت لما يسمى للجيش الحر المدعوم من الائتلاف السوري المعارض.
لم ينتفض العالم على ضحايا مجزرة دوما حباً وثأراً للضحايا العرب، ولم يصمت على ضحايا مجازر عفرين كرهاً للضحايا الكرد، فهذا العالم لا يهتم بالضحايا عرباً كانوا أم كرداً، مسيحيين أو مسلمين، فكما أسلفت فالقوى العظمى لا تتحرك سوى لمصالحها، والنفاق هو شعار السياسة الدولية.
ويبقى السؤال متى تفيق الشعوب المقهورة بالشرق الأوسط وتكف عن انتظار العدالة من عالم ظالم، متى تصدق أن العالم محكوم بقوانين البلطجية الدولية ولا وجود فيه للعدالة الإلهية.