الأم هدية هاشم العطية قصَّةُ كفاحٍ مع قساوة وظلم الحياة
في أروقة إحدى حارات الرقة التي قد شَهِدَت أعظم وأقسى المعارك ضدَّ تنظيمٍ إرهابيٍ قد عاثَ فساداً ورعباً في الأرض، حتى تمَّ دحرهُ بفضل قوات سوريا الديمقراطية لاحقاً.
لكن هذه الحروب بشكلٍ عام وما حدث في سوريا مُجملاً خلَّفَ الكثير من الضحايا وحالات إنسانية يقشعرُّ لها الوجدان، فكثيراً ما تجدُ بين الأبنية التي لم يتم الانتهاء من بناءها عائلاتٍ اتّخذت من أشباه البيوت هذه ملجأً لهم لِتَقيهم برد شتاء وحرارة الصيف الحارقة، عائلاتٌ لا حَولَ لها ولا قُوَّة، يقتاتونَ على ما يبيعونه من قِطع البلاستيك التي يجدونها على عَتباتِ الطُّرقِ والحاويات، وأحياناً أخرى على ما يبيعونهُ من بقايا فُتات الخبز اليابس.
عائلة هدية هاشم عطية هذه السيدة التي يُناهزُ عمرها السّتينَ عاماً قد سَطَرَ الدَّهرُ قصصاً بين ثنايا تجاعيد وجهها، هذه الأم لم يُنصفُ الدَّهرُ بِحقّها فَأذاقَها الألم والحرمان.
هذه العائلة من أبناء مدينة دير الزور مُكوَّنةٌ من الأم هدية وبنتاها القاصرات وولدها من زوجها الأول وطفلٌ يتيمٌ تُربّيه الأم، يعيشونَ عيشةً لم يَعِشها أحدٌ من قبلُ.
حيث تروي لنا الأمُّ قصَّتها التي بدأت منذ بداية الثورة السورية عندما تُوفّي زوجها في قصفٍ لطائرات النظام السوري على مدينة دير الزور، فَاضطرُّوا حينها للنزوح إلى مدينة الرقة هي وبناتها وولدها، وقد باتوا في أحد الأبنية التي مازالت قيد الإنشاء، وخلال تلك الفترة ذاقوا قساوة ومرارة الحياة البشعة، ذاقوا الفقر الذي قد نَخَرَ في عظامهم كَنَخرِ النمل الأبيض في جذع الشجرةِ.
تُخبرنا الأم وهي تذرفُ دموع الحَسرَة على عمٍر قد ضاع في الكفاح مع حياة بائسةٍ فتقول: عندما نزحنا إلى الرقة لم أُدرك إلى أين أذهبُ بنفسي وبناتي، فأنا قد شابَ شعر رأسي وبناتي قاصراتٌ ومعي طفلٌ يتيمٌ أُربيه، اُضطُرِرنا أن نَبيتَ في بناءٍ مُتهالكٍ حيث لم يكن هناك جدرانٌ في كل الغرفة والنوافذ مفتوحةٌ، نِمنَا فيها ما يُقاربُ الشهر على الأرضية الاسمنتيَّةِ بلا وسائدَ تُريحُ رُؤوسنا ولا غطاءً نُغطّي به أجسادنا تجنُّباً للبرد، حتى استطعنا فيما بعد أن نعمل جميعناً في جمع البلاستيك وتسيير أمورنا.
وأضافت الأم وملامحُ التَّحسُّر على ما مضى
ظاهرةٌ على وجهها: عندما بدأت الحرب ضدَّ تنظيم الإرهابي نَزحنَا مرَّةً أُخرى، وهذه المرة إلى مدينة الطبقة وفي الطريق خسرتُ الطفل (رشيد) هو يتيم الأب والأم الذي كنتُ أُربيه، حيثُ ماتَ جرَّاء انفجار لغمٍ كان تنظيم داعش قد زرعه، بكيتُ عليه كثيراً فقد كنتُ أعتبره واحداً من أبنائي.
وبعد وفات ولدي رشيد لجأنا مرَّةً أخرى لأحد البيوت المشابهة، وبعد أن تحرَّرت الرقة عُدنا من جديد إليها، وكما ترونَ حالتنا فَلا حول لنا ولا قوة ولا حتى عملٌ نقومُ به كي نَسُدَّ به جوعنا، أحياناً يُرسلُ لنا عناصر الأمن الداخلي ومقاتلو قوات سوريا الديمقراطية بعض الطعام لنأكلهُ، وكان الله في عونهم لأنهم رجالٌ تركوا بيوتهم وعائلاتهم لخدمتنا والسهر على راحة وأمن مدينتنا، وحالياً نجمع فُتاتَ الخبز اليابس وما نجدهُ نأكلُ منه.
كثيراتٌ كهذه الأم (هدية) فالحياة لا ترحمُ أحداً وخاصة في ظل الظروف القاهرة والصعبة التي تمر بها سوريا.
والجدير بالذّكر أن الأم هدية كانت متزوجةً من زوجها الأول الذي ماتَ وهي في سنٍّ صغير أي ما يُقاربُ الخمسة عشر عاماً، وكان لديها ولدٌ من زوجها الأول، وبسبب العادات والتقاليد البالية زَوَّجها أهلُها مرةً أُخرى، لكنَّ زوجها الآخر أيضاً مات في قصفٍ للطائرات الحربية التابعة للنظام السوري.
المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية