حيّ الطيّار… عامٌ على التحرير
عام من الأحداث مضى، يحمل في طيّاته الحزن والفرح وتبقى الذكريات شاهدةً على واقع مؤلم عاشته أحياء مدينة الرّقّة.
وخلال هذا الاسبوع، يستذكر أهالي حي الطيّار في مدينة الرّقّة – وبمرارة وفرح ممزوجين – أحداثاً مضت قبل عام، يستذكرون تلك المشاهد القاسيّة من الرعب الذي عايشوه أثناء تحرير حيّهم، فبين منع تنظيم داعش الإرهابيّ لهم بالخروج سالمين، إلى تلك الألغام التي وقفت في طريقهم، عاشوا مأساة حقيقيّة، قلّما مرّت على أناس على وجه هذه البسيطة.
حي الطيّار الواقع في الجهة الغربيّة الجنوبيّة من مدينة الرّقّة، حيث ترتوي بساتينه من نهر الفرات من جهته الجنوبيّة، وإلى الغرب من الحي تقع بساتين وحقول صغيرة تعود لأهالي الحي، ومن الشرق شارع البانوراما وحي اليرموك من جهته الشّماليّة.
كان حي الطيّار الشاهد الأوّل لعمليّات فرار المدنيين من قبضة داعش الإرهابيّ، وكان شاهداً على عمليّات التحرير الخاصّة التي كانت تنفّذها وحدات من قوّات سوريّا الديمقراطيّة والتي فقدت ما يقارب 9 مقاتلين أثناء محاولاتهم لإخراج المدنيين من الحي وإجلائهم إلى المناطق الآمنة.
يستذكر “أبو محمّد “،أحد سكّان الحي، تلك الصرخات التي كانت تطلقها النسوة والأطفال أثناء عمليّات الفرار الليليّ ويقول: “أجبر إرهابيّو داعش أهالي مدينة الرّقّة إلى النزوح من مركز المدينة إلى حيّنا، واستقبلناهم وأسكنّاهم معنا، كنا نتقاسم ذلك الرغيف الفاقد لطعمته أصلاً كونه من أيادي هذا التنظيم الإرهابيّ، وفي 12 من شهر تموز / يوليو عام 2017 أطلقت قوّات سوريّا الديمقراطيّة، وعبر مكبّرات الصوت، نداءها إلى المدنيين بأنّ الطريق قد أصبح سالكاً للخروج من جهة نهر الفرات وعبر جسر صغير بناه المدنيّون بأنفسهم بغية العبور عليه. فقمنا بالتحرّك ليلاً، لكن ألغام الحقد التي زرعها إرهابيّو داعش تربّصت بنا وانفجرت فقتلت عائلة بأكملها ومقاتلين اثنين من قوّات سوريا الديمقراطية، ولكنّنا واصلنا المسير، وفجأة أصبح الرصاص ينهمر علينا من قبل إرهابيي داعش الذين تنبهت بخروجنا جرّاء انفجار اللغم”.
تنهمر دموع “أبو محمّد”، ويتابع: “لازالت أصوات النساء والأطفال ترنّ في أذنيّ كلّ صباح ومساء، وذلك اليوم الذي تحرّرنا فيه من قبضة إرهابيي داعش لن أنساه أبداً”.
أمّا “أبو أنور”، فذكريات الحصار لا تنفكّ تغادر مخيّلته، يتحدّث عنها وكأنّها حاضرة أمامه، يصف لنا أصغر التفاصيل حين تقاسمت عائلتان مؤلّفة من 22 فرداً لربطة من الخبز لمدّة يومين كاملين قبل أن يتمّ تحريرهم.
يقول “أبو أنور”: “لا شيء أحببته في تلك الأيام العجاف غير محبّة الناس لبعضهم، وكيف كان القوي يعطي رغيف خبزه للضعيف، كيف أنّ الشجاعة بدأت تتغلغل في مسامات كبريائنا حين قمنا بالخروج من البيت ليلاً، لنركض إلى مكان قريب من مقر لإرهابيي داعش تمّ قصفه من قبل الطائرات، لم نكن نفكّر بأنفسنا ولا بأولادنا، فقط كنّا نفكر في إسعاف الجرحى المدنيين الذين أصيبوا بشظايا قصف مرتزقة داعش”.
يستذكر أبو أنور كيف كان داعش يجبرهم على نزع ملابسهم ليرتدوها عناصره ليقوموا بعمليّات التمويه والتغلغل بين المدنيين خوفاً من قصف الطائرات، وكيف سرق إرهابيّو داعش من بيوتهم ما تبقّى من مادّة الغاز ليستخدموها في صنع عبوات بدائيّة كانوا يلقونها على القوّات المهاجمة ليوهمهم بأنّ أعداد التنظيم كبيرة.
ويستذكر – وبلوعة الأسى – كيف كان الجميع يتقاسم الماء الذي كان مخزناً لفترة يومين أو ثلاثة، لكن حصارهم من قبل التنظيم الإرهابيّ جاوز الأسبوع، حيث شارف بعض الأشخاص على الهلاك عطشاً قبل يوم من تحريرهم.
أمّا “أبو علي”، ذلك الرجل الوحيد الذي رفض أن يخرج من الحي وبقي تحت قصف الطائرات لمقرّات الإرهابيين، فكانت شهادته عما جرى مختلفة، فقد أكّد أنّ عناصر من التنظيم الإرهابيّ دخلوا منزله وحوّلوه إلى مستودع للذخيرة وكانوا في الليل يجلسون ويدخّنون السجائر أمامه، وقالوا له: “إنّه في الحرب يجوز لك كلّ شيء حتّى شرب الخمر!!”.
واستطرد “أبو علي” بالقول: “دخلوا منزليّ رغماً عنّي ووضعوا ذخائرهم محليّة الصنع، وأجبروني وأنا بسنّي البالغ ال70 خريفاً على حمل القذائف ونقلها إلى أعلى سطح منزلي الذي يحتوي على غرف في الطابق الثاني المطل على ساحة القتال، وبعد انتهائنا من عمليّة نقل الذخائر، حاولوا إقناعي بركوب سيّارة مفخّخة كانت أمام منزليّ مغطّاة بحشائش لا أعلم من أين أتوا بها، لكنّني رفضت وبحجّة سنّي الكبير وعدم معرفتي بالقيادة تركوني، وركبها أحدهم أفغانيّ الجنسيّة، وبعد أن سار بها إلى آخر الحي تمّ قصفها من قبل طائرات التحالف”. واسترسل “أبو علي” في حديثه بالقول: “تبلغ نسبة الدمار الذي لحق بالحي جرّاء العمليات القتالية 10 % ونسبة عودة السكان تقارب الـ80% حيث يبلغ نسبة الأهالي العائدين إلى الحي بحدود الـ/ 7000/ نسمة، يعيشون حياتهم الطبيعيّة التي كانوا يحلمون بها بعد زوال التنظيم الإرهابيّ، إلا أنّ المعوّقات لاتزال قائمة في ظلّ قلّة الامكانات لدى مجلس الرّقّة المدنيّ، الذي أعاد تأهيل شبكات مياه الشرب في الحي ويعمل حالياً على تبديل شبكات الصرف الصحيّ أيضاً”.
المركز الإعلاميّ لقوّات سوريّا الديمقراطيّة