تركيا بين صداقة داعش وإرهاب الأكراد
محسن عوض الله
ارتبطت الثورة السورية منذ تحولها لحرب أهلية مسلحة بتدخلات من القوى الإقليمية والدولية، وسعت دول جوار سوريا لاستغلال حالة الفوضى ببلاد الشام من أجل تحقيق مصالحها وأهدافها، مستعينة في ذلك بفصائل وميليشيات وجماعات اتفق العالم على وصمها بالإرهاب.
وجاءت تصريحات الرئيس السابق للجنة العسكرية في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، الجنرال “بيتر بافل” حول علاقة جبهة النصرة بإسرائيل وتركيا بتنظيم الدولة لتكشف حقيقة هذه التنظيمات الإرهابية وتفضح الدول الداعمة لها.
وكان الجنرال “بافل” قد أعلن الثلاثاء 21 أغسطس أن السلطات الإسرائيلية قدمت مختلف أوجه الدعم لتنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي نظرا لأنه لم يمثل خطرا على إسرائيل وكان إرهابه يستهدف سوريا فقط.
تصريحات “بافل” سبقها بسنوات اعتراف من رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” بأن بلاده تقيم علاقات مع جبهة النصرة.
وأعلن “نتنياهو” في نوفمبر 2015 أمام وسائل إعلام أمريكية أن إسرائيل تقيم علاقة خاصة مع مجموعات تابعة لجبهة النصرة على الحدود، من الجانب السوري.
الغريب في تصريحات “بافل” واعترافات “نتنياهو” أنها لم تقابل بأي رد فعل أو نفي من جانب جبهة النصرة التي يفترض أنها ترفع شعارات إسلامية، وتدعي الانتساب للإسلام والدفاع عنه في مواجهة من تسميهم الأكراد “الخوارج” والإيرانيين “الروافض”.
علاقة النصرة التكفيرية بإسرائيل الصهيونية لابد أنها مرت عبر المحلل التركي الذي يحتفظ بعلاقات جيدة بجبهة النصرة باعتراف قادة الجبهة أنفسهم، فضلاً عن علاقات أنقرة المعروفة بالكيان الإسرائيلي، وربما تكون أنقرة قد شهدت لقاءات واجتماعات بين الطرفين المتناقضين في كل شيء تحت رعاية وزعيم وإمام أهل السنة “أردوغان” كما يصفه بعض المغيبون.
ليس غريباً بالطبع أن تلعب أنقرة دور حمامة السلام بين الإرهابيين والصهاينة، فالمقاييس التركية للإرهاب لا علاقة لها بالمعايير الدولية المتعارف عليها، فبحسب تصريحات الرئيس السابق للجنة العسكرية في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، الجنرال “بيتر بافل” فإن تركيا ترتبط بعلاقات مع تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش) باعتباره أقل خطراً من الأكراد !!.
بحسب المنظور التركي فإن تنظيم داعش الذي أجمع العالم كله على وصفه بالإرهاب، والذي ارتكب مئات المجازر بحق المدنيين المسالمين بسوريا وغيرها من الدول العربية والأوروبية أخف وأقل خطراً من أكراد شمال سوريا، الضلع الأهم في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والذي ساهم باعتراف العالم أجمع في إسقاط الإرهاب وتقليم أظافره بسوريا!
تركيا التي صنعت لنفسها مكاناً في سوريا من خلال كونها معبراً آمناً للجهاديين في سوريا، وارتبطت بعلاقات مع كل التنظيمات المسلحة بلا استثناء، بصورة جعلت منها أشبه بكفيل للجماعات الإرهابية، ومندوبة عنهم في الاجتماعات الدولية حول مستقبل الوضع السوري.
تركيا التي تخلت عن السوريين المدنيين في حلب، وفق صفقة لا يمكن وصفها سوى بـ(الخسيسة) سيطرت بها على مدينة الباب بالشمال السوري مقابل أن تسمح بعودة حلب لسيطرة النظام الذي ارتكب فيها جرائم بشعة بحسب تقارير دولية.
تركيا التي احتلت عفرين بعد معارك دموية لأكثر من 58 يوماً استخدمت فيها كل الميليشيات والتنظيمات الإرهابية الموالية لها، وارتكبت فظائع وجرائم تهجير قسري وعمليات سلب ونهب بحق أهالي المدينة.
تركيا التي مارست الإرهاب ودعمت الإرهابيين بسوريا كان طبيعياً جداً أن تعتبر تنظيم الدولة ” الإرهابي ” صديق يجب دعمه في مواجهة الأكراد الذين تتهمهم أنقرة بالإرهاب في حين أن العالم يستعين بهم العالم لمواجهة الإرهاب المدعوم تركياً!
أعتقد أن العالم أصبح بحاجة لتحديد واضح لمفهوم الإرهاب بصورة تجعل من الدول الداعمة والمؤيدة للتنظيمات الإرهابية شريكة في جرائم تلك التنظيمات، ويجب أن تخضع لعقوبات دولية لدورها القذر في نشر العنف والتطرف، على كل الدول التي طالتها يد “داعش” القذرة أن تقاضي أردوغان ونظامه أمام الجنائية الدولية وتستعين بالجنرال بيتر “بافل” لإثبات العلاقة بين التنظيم الإرهابي وأنقرة.
على العالم أن يدرك أن أردوغان لا يحارب الإرهاب بل يحارب من يحارب الإرهاب ولابد من بموقف أكثر صرامة في مواجهته، فتنظيم “داعش” وإن كان يعاني اليوم خسوفاً وانحساراً فالدعم التركي كفيل بإعادة الروح لجسد التنظيم المتهالك وفكرته البالية.
على المجتمع الدولي أن يدرك أن محاربة الإرهاب تبدأ بمحاربة داعميه وتفكيك حاضنته الفكرية، وسد منافذ تمويله، على العالم أن يثبت جديته في محاربة الإرهاب بدعم قوات سوريا الديمقراطية للوقوف في وجه المخططات التركية الرامية لاستنساخ داعش أو تجميع فلولها من سوريا والعراق لإعادة انتاجها بشكل جديد بما يسمح لأنقرة بالاستمرار في تحقيق أهدافها القذرة بالمنطقة.