هذه القامشلي وليست إدلب
فادي عاكوم
كان مفاجئاً دون شك الحادث الدموي الذي حصل منذ أيام في القامشلي، مفاجئاً ليس فقط لأهالي وسكان المنطقة التي حصل فيها الحادث، بل صادماً لكل من يراقب الوضع السوري عن كثب، فتكلم كثيرون وصمت أكثر منهم، فالحادث الذي لم يكن بالحسبان إرسال إشارات محلية وإقليمية واضحة جدا ترسم أواصر العلاقات المستقبلية بين المناطق الكردية والمؤسسات الأمنية التابعة للنظام.
وتأتي حادثة القامشلي لتضع رؤوس من يسمون أنفسهم معارضين في التراب، وكيف لا ومناطقهم قدمت الواحدة بعد الأخرى للنظام وبشروطه هو المدعومة من الراعي الروسي، وكأن لا ثورة قامت ولا دماء سالت، ولما لا يدفنون رؤوسهم وهم من يكيلون الاتهامات يوميا للقوات التي حررت وحمت المناطق الكردية من كل العصابات بالتعامل الدائم مع النظام؟، فأتت الحادثة لتصمتهم صمتاً مبيناً، وتلقنهم درساً لا ينسى حول الكرامة وحرمة الأرض والعرض.
وليس بعيداً جداً عن القامشلي عشرات البلدات والمدن دخلها النظام بعد اتفاقات مع “المسلحين” الذين تحولوا إلى ميليشيات رديفة تابعة للجيش السوري وغرفة عمليات الجيش الروسي لقتال ما تبقى منهم في إدلب ومحيطها من حماة وحلب، وكشف المستور عن علاقات مخفية ومن تحت الطاولة بين ثوار الأمس والنظام طيلة السنوات الماضية وهو ما يفسر “المصالحات” السريعة بأكثر من منطقة سورية.
والآن بدأت معركة إدلب، والتي تم التمهيد لها بعشرات الغارات بل المئات منها بالإضافة إلى الاختراقات في الصفوف الأمامية بالإضافة إلى خروقات بصفوف العديد من قادة الفصائل الذين أطلق عليهم لقب الضفادع وتتم ملاحقتهم لعرقلة اتفاقاتهم مع النظام، فتحولت إدلب إلى سوق للنخاسة يباع فيها المدنيون ويشترون طبقاً لنتائج المفاوضات الجارية قبل شراء من تبقى من فصائل، وتقرير مصير المئات من الإرهابيين، الذين إما تظهر التوبة المفاجئة عليهم ويعودون إلى حضن الوطن وإما يذهبون إلى حضن البهلول التركي راعي التنظيمات الإرهابية في المنطقة والعالم.
من تم اتهامه بالأمس بأنه عميل للنظام وينسق معه، ها هو اليوم الوحيد الذي لا يرضى بتجاوزات أمن النظام كما الماضي، هم أنفسهم اختلفوا مع النظام لأنهم يريدون أن يتعلم أبناء مناطقهم اللغات الكردية والسريانية وغيرها من اللغات الحية في مناطقهم، بينما يخضع أبناء ادلب “وهي لفظة تشمل المتشبهين بالثوار”، لإرادة الفرق الأمنية التابعة للنظام رغم التعهدات والاتفاقات، فها هو الأمن يقوم بالمداهمات والاعتقالات بريف دمشق صعوداً إلى مناطق مختلفة من درعا، فيتم الرمي في السجون كما قبل ويساق المئات إلى خدمتي التجنيد والاحتياط وتذهب الاعفاءات التي تم الاتفاق عليها أدراج الرياح.
ما حصل في القامشلي هو نتيجة الكرامة الحقيقية التي يتمتع بها أبناءها، ونتيجة الشعارات الحقيقية المرفوعة وليس الشعارات الدينية الفارغة التي يختبئ خلفها أتباع الأمن والبهلول، الذين يفتقدون كل شيء كالكرامة وإرادة الحياة والحرية.
قريباً جداً ستبدأ الحملة العسكرية على إدلب وستقع آخر ورقة توت عن هؤلاء المتأسلمين وتنكشف الكثير من الحقائق المغيبة، وسيبقى ما حصل في القامشلي درساً لا ينسى وعنواناً للمرحلة المقبلة لطريقة التاعطي مع المناطق الحرة فعلاً.