التغيير , أشكاله و أسبابه
إن الخوف من التغيير والمحافظة على القديم كون القديم معتمد و مجرب من أكبر عوامل الإعاقة للتغيير ، و كسر هذه الفوبيا الإجتماعية يبدأ من فهم عمق هذا التغيير و بث الوعي المباشر للشارع البشري حول نظام التغيير الجديد هذا .
ماهو التغيير …؟ و ماذا نريد من التغيير و ما الذي نريد أن نغيره …. ؟ ما هو إتجاه هذا التغيير .. ؟ ما هي آلية هذا التغيير … ؟
أولا : مفهوم التغيير
أستطيع تعريف التغيير على أنه : التحريك بشكل لا يتطابق معه الأصل.
و التغيير الاجتماعي يعني التغيير من نظام إجتماعي إلى آخر لا يتطابق مع المجتمع القديم ، أي من مجتمع تقليدي إلى مجتمع عصري جديد .
ثانيا : ماذا نريد من التغيير و ما الذي نريد تغييره ..؟
أعتقد بأن ما نريده من التغيير هو تغيير الثبوتيات السلوكية كالعادات و التقاليد و القيم العالقة زمانيا و التغيير في نظام السلوك البشري و نظام الفاهمة الفكرية البشرية العالق في جوف التاريخ المظلم .
ثالثا : ما هو إتجاه هذا التغيير …؟
يسلك التغيير بصفة عامة سلوكين : تغيير إيجابي و تغيير سلبي حيث يتمثل الإيجابي بالشكل التدرجي الدافع لتغيير الواقع الجامد نحو المتحرك الفعال .
أما السلبي فيتمثل بالتغيير الراديكالي أي الجذري وهذا النوع لا يعتمد التدرج و إنما القلب و السحق و هو دافع لتغيير الواقع بأسلوب مطلق حيث يبتعد عن الواقع و العصرانية و يخلق ردات فعل إجتماعية تؤذي رغبة التغيير بكل أشكاله .
رابعا : ما هي آلية هذا التغيير …؟
– دراسة هذا التغيير دراسة تناسبية وفق البيئة الظرفية ، و إبداء الرأي حول مفهوم التغيير وصولا إلى إحداثات فكرية تقدم مشروع عمل نظري و عملي محرض .
– التغيير في الثبوتيات السلوكية كالعادات و التقاليد و القيم العالقة زمانيا ، و تعرية الجانب الميثيولوجي المبالغ فيه .
– التغيير في السلوك البشري ضمن الرقعة المراد إحداث التغيير فيها عن طريق دراسة هذا السلوك دراسة علمية وفق إختصاصات المعرفة المترابطة .
– تغيير الفاهمة البشرية عبر ضخ مصطلح التغيير و الأفكار المحرضة له و المرتبطة به .
خامسا : ظاهرة التغيير
التغيير صفة متلازمة للشعوب وفق أطوار زمنية معينة ، فالمجتمعات تتغير بديناميكية تطور مستمر وظروف هذا التطور تتناسب مع الظروف السياسية و الاقتصادية من ناحية التغيير السلوكي ، و وفق الظروف البيئية الحيوية من ناحية التغيير البيولوجي البنيوية للكائن .
هذا وان عدنا إلى ما يقارب العدة قرون سنجد أن العلامة ابن خلدون قد وصف التغيير بأنه سنة كونية تسير جميع المجتمعات إليها ، ولا سبيل إلى إيقافها ، وقد انطلق ابن خلدون في تحليله هذه الظاهرة من منطلق الحتمية التاريخية ، التي يرى فيها ، أن الظواهر الاجتماعية ، ومنها ظاهرة التغيير لا تشذ عن ظواهر الكون الأخرى .
و يتضح هذا القول في كتابه المقدمة حيث يقول ” وذلك أن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر ، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال ” .
سادسا : أسباب ظاهرة التغيير
والتغيير فعل اجتماعي تقوم به الجماهير ، ولاسيما الطبقات التي تعاني الظلم والحرمان ، من أجل تبديل ظروفها الحياتية ، السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية وذلك إلى نحو أفضل ، ولأن من أبرز صفات الإنسان أنه كائن متغير ، وهذه الصفة ربما هي التي جعلته يختلف عن سائر الكائنات ، مما انعكس على المجتمع الذي يشكل الإنسان مكونه الأساسي .
وهذا واضح فيما ذكره ابن خلدون في شرح أسباب التغيير وهي :
1- الظلم ، نراه يؤكد بوضوح أن الظلم يؤثر في بنية المجتمع وتماسكه ، ويفضي إلى تدمير نسيجه ” لأن الظلم مؤذن بخراب العمران المفضي لفساد النوع ” ، مما يدفع أبناء هذا المجتمع إلى المطالبة بالتغيير ، موضحاً أن العدل أساس قيام الدول ونجاح سياسة الحاكم .
2- والترف الذي يتعدى حدوده ، ولأن الترف يحتاج إلى الأموال لسد الحاجات المتزايدة لدى المترفين ، يصبح الخلل مزدوجاً في الدولة كما أشار إلى ذالك ابن خلدون بقوله” ثم تشتد حاجة صاحب الدولة إلى المال وتنفق أبناء البطانة والحاشية ما تأثله آباؤهم من الأموال في غير سبيلها من إعانة صاحب الدولة ، ويقبلون على غير ما كان عليه آباؤهم وسلفهم من المناصحة” .
3- العوامل الاقتصادية التي تؤدي دورها الفاعل في التغيير وذلك أن الظواهر الاجتماعية هي انعكاس للعوامل الاقتصادية وتعبير عنها ، لذا فإن التغيرات التي تحدث في المجتمع دائماً ما تكون العوامل الاقتصادية أحد أسبابها يظهر ذلك من سياق قوله”اعلم أن اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلتهم من المعاش “
سابعا : عوامل التغيير
إن التغيير في المجتمعات الإنسانية يشترط عاملين: الأول موضوعي يتمثل في وصول التناقضات في المجتمع إلى حد الأزمة ، وفشل عملية التواصل بين النظام السياسي والشارع البشري .
والعامل الآخر ذاتي ، وهو إدراك الحاصل لأبناء المجتمع في تأكيد قيمتهم الحقيقية متأثرين في حركة المجتمع وصولاً إلى محاولة تغيير ظروفه و بالتالي ظروفه .
إن عملية التغيير تحدث وفق الظروف السياسية و الاقتصادية كما ذكرنا و لفهم هذه الظروف علينا العودة إلى البدايات التاريخية لنشوء الظروف السياسية و الاقتصادية للشارع الشرق أوسطي ، فالظروف التاريخية التي مر بها الشرق الأوسط منذ القدم وحتى الوقت الحالي كفيل لفهم عمق التغيير و ظروفه الطبيعية.
أنس أحمد عضو الهيئة التنفيذية في التحالف الوطني الديمقراطي السوري