تل السمن : ذكاء المجتمع يغلب غباء الإرهاب
الماء، عصب الحياة ، وأحد العناصر الأربعة للحياة ،والموصوف أنه جُعِلَ منه كل شيء حي ، مصادره كانت دائما ملتقى البشر ، بدواً و حضراً ، وعلى ضفاف أنهاره و جداوله سطرت البشرية تاريخها وأنشأت دولها ومدنها وقوانينها، وهي التي كانت عنصراً رئيسياً في تحديد هوية المنتصر في الحروب ، ذلك أن المتحكم بالمياه يتحكم بإرهاق خصومه وأعدائه ، وكم من معركة في التاريخ لعب الماء فيها عامل الحسم في تحديد هوية المنتصر والمهزوم.
ريف الرقة الذي كان دائما كالعيسِ محمول على ظهرها الماء، يمر فيها الفرات ، ويشق سهولها البليخ،و تسبح على بحر من الماء، إلا أنها كانت معرضة دائما للإهمال من قبل الأنظمة المتعاقبة ، وكانت تعاني من العطش والجفاف على مدار العام ، إلا أنه في العقد الأخير استدركت الحكومات السورية هذا الواقع المرير وأنشأت شبكات ري واسعة معتمدة المكننة الزراعية يرافقها مد شبكات مياه الشرب لإرواء القرى الرقاوية ، لأسباب لا تتعلق بتقديم الخدمات العامة بقدر ما تتعلق بحسابات أخرى ليس هنا مجال لذكرها.
ولأن التنظيم الإرهابي داعش ، ليست لديه روادع أخلاقية أو نوازع إنسانية فقد أدرك هذا الأمر، وانتقم من أهل الرقة شر انتقام وذلك بتفجيره كل خزانات المياه وشبكات مياه الشرب في المناطق التي اندحر منها، ولسان حاله يقول للناس(إن لم تقتلكم سيوفنا و مفخخاتنا،سيقتلكم العطش الذي به عاقبناكم).
ولأن المتأصل في الإنسان هو الخير، ولأن الفطرة الإنسانية السليمة هي البحث عن بذرة للحياة ، ولأن العرب قد قالت (إن خلِيَت بَلِيَتْ) إن دورة الحياة لا بد مستمرة وإن كره الكارهون.
المواطن محمود محمد مسلم من سكان قرية تل السمن شمال الرقة ، ساءه ما وصلت حالة أهل القرية من العطش وقلة الحيلة لما فعلته داعش بخزانات مياههم ، وانشغال المجلس المدني بأعباء النازحين والمهجرين ، وقلة الحيلة والإمكانات ، فقدم اقتراحا لبلدية تل السمن ، لإنجاز مشروع ضخ المياه من قناة الري التي تعبر بمحاذاة القرية، وضخها في شبكة المياه الداخلية للبلدة ، وعلى حسابه الخاص ، فما كان من بلدية تل السمن إلا أن ترفع الاقتراح إلى مجلس الرقة الذي وافق بدوره على الفكرة ، وتم البدء بالتنفيذ مباشرة.
الآن ، وبمحرك ديزل ، ومضخة 12 إنش ، وبمعدل ضخ ست ساعات يومية يرتوي سكان ما يزيد عن 400 عائلة في تل السمن ، والفكرة التي راقت للكثير من الميسورين أصبحت مثالاً لأيادي الخير التي تأبى إلا أن تعبر عن أصالتها و انتماءها للناس ، وتصرخ في وجه الإرهاب ، أنكم لن تقتلوا بذرة الخير فينا.
على ذلك ، هناك محاولة جادة لإيصال المياه بنفس الطريقة إلى قرى (طويلعة ، المستريحة ، مسيجة ، المخسور ، العقيدات ، الجنيات) ،وقد عبر السيد محمود مسلم عن سعادته بنجاح الفكرة ، والجدير بالذكر أن السيد محمود مسلم هو من قاطني تل السمن و ليس من سكانها الأصليين ، لكنه يؤكد بأنه يشعر بالانتماء إلى هذه القرية ولا يمكنه أن يقبل ظمأ الأطفال و الأمهات و هو الرجل الميسور الحال.
المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية.