ليس لواشنطن إلا ” قسد “
محسن عوض الله
تبدو العلاقة بين واشنطن وقوات سوريا الديمقراطية مختلفة عن أي علاقة تربط الدولة العظمى مع أي حليف لها بالمنطقة، فالأصل أن الطرف الضعيف هو من يحتاج لعلاقة مع طرف أقوي، وبديهياً قد يرى البعض أن أمريكا هي الطرف القوي في هذه المعادلة وهذا الأمر غير الصحيح بالمرة ، فالواقع يقول أن أكراد سوريا أو منظومة فيدرالية الشمال بشكل عام هي الطرف القوي وليس واشنطن، فالكرد قد يكون لديهم أكثر من خيار للتحالف بما يضمن بشكل أو بآخر الحفاظ على مكتسباتهم ولكن ليس لواشنطن سوى حليفتها قسد إن أرادت أن تحفظ لها وجود بسوريا.
في اعتقادي أن حاجة أمريكا لأكراد سوريا ربما تفوق حاجتهم لها، فالواقع يقول أن بقاء الشراكة بين واشنطن وقوات سوريا الديمقراطية قد يكون من ضروريات الأمن القومي الأمريكي، خاصة بعد أن خسرت واشنطن كل نفوذها في العراق ولم يعد لها أي وجود في ظل تمدد النفوذ الإيراني من بغداد للسليمانية فضلاً عن محاولات أربيل التودد لأحفاد الخميني بعد أحداث كركوك لتصبح معها العراق بكل مناطقها مستعمرة إيرانية كبيرة لا مكان فيها لأبناء العام سام.
نجحت طهران في طرد أمريكا من العراق وتسعي لتكرار الأمر في سوريا بمساعدة حليفتها موسكو وصديقتها المؤقتة أنقرة، حيث تتقاسم العواصم الثلاث السيطرة على الأرض السورية من خلال عملاء وحلفاء لهم داخل المعارضة والنظام، وفي مواجهة كل هؤلاء تقف قوات سوريا الديمقراطية بنجاحاتها على الأرض وشجاعة رجالها التي ظهرت في قدرتهم على تحرير معظم الأرض السورية من تنظيم داعش الإرهابي وفتح مدينة الرقة عاصمة التنظيم بسوريا.
تقف قوات سوريا الديمقراطية صامدة رغم مؤامرات تركيا التي لا تنتهي ومحاولاتها المستمرة تعطيل عمليات مكافحة الإرهاب سواء من خلال عملية درع الفرات التي نفذتها تركيا بمساعدة رجالها في سوريا لوقف التمدد الكردي بشمال سوريا أو تهديداتها المستمرة باقتحام مدينة عفرين الكردية.
صمدت قسد واستمرت نجاحاتها رغم كل محاولات التشويه لتصبح قوات سوريا الديمقراطية بمثابة الأمل في مستقبل أفضل لدولة سوريا الاتحادية الفيدرالية وهو الخيار السياسي الذي يتباه الكرد كحل للأزمة السورية وهو أيضاً الخيار الأكثر قبولاً وعقلانية لحل أحد أسوء الأزمات الإنسانية في العالم.
شراكة واشنطن ودعمها لقوات سوريا الديمقراطية بالتأكيد أنه ليس عشقاً أمريكيا في القومية الكردية بدليل ما حدث في كردستان وكركوك عندما استخدم الحشد الشعبي الدبابات الأمريكية في استهداف الأكراد بالعراق.
تدرك واشنطن جيداً أن قوات سوريا الديمقراطية تمثل منظومة متكاملة لمشروع الجيش السوري الجديد استعداداً لمرحلة ما بعد بشار التي هي قادمة لا محالة، كما تري واشنطن في أكراد سوريا الحصن الأخير ضد إتمام الهيمنة الإيرانية على بلاد الشام وإلغاء الوجود الأمريكي منها وهو الأمر الذي إن حدث سيكون ضربة جديدة للسياسة الأمريكية لن تتحملها قيادات البنتاجون ولا البيت الأبيض.
على أكراد سوريا أن يثقوا في كيانهم وقوتهم، عليهم أن يعوا أنهم صنعوا تاريخ وفرضوا واقع جديد بالشرق الأوسط لن يستطيع أحد تغييره بسهولة، صنع كرد سوريا من أنفسهم رقما صعباً لا يمكن تجاوزه وأصبح التحالف معهم مكسب لأي دولة.
نجح الكرد في أن يجعلوا من مشروع الفيدرالية وأخوة الشعوب بسوريا نموذج لحل سياسي مثالي لأزمة أشعلها ساسة العالم وفشلوا في إخماد نيرانها، ولم يشعروا إلا بعد أن وصلت النيران لبلادهم فتسابقوا يبحثوا عن حل ليجدوا قوات سوريا الديمقراطية تقف وحدها في مواجهة هذه النيران التي أشعلتها التنظيمات الإرهابية المتطرفة، ولم يكن أمامهم سوى دعم هذه القوات التي أثبتت قدرتها على إطفاء النار وحماية العالم من شررها.
على أمريكا أن تدرك أن فكرة التخلي عن كرد سوريا استجابة للضغوط التركية قد تمثل خطورة كبيرة على المصالح الأمريكية بالمنطقة خاصة أن أنقرة ترتبط بعلاقات ومصالح مشتركة مع الدب الروسي الذي استعاد الكثير من نفوذ الاتحاد السوفيتي فضلاً عن تحالفها مع طهران ليصبح هذا الثالوث استراتيجية واحدة هدفها إسقاط النفوذ الأمريكي بالمنطقة.
يجب أن تدرك واشنطن أن عداء أنقرة لأكراد سوريا ومنظومة الفيدرالية هو عداء ضد منظومة التحرر الكردية التي أسسها الفيلسوف عبد الله أوجلان، ولا مانع لدى أنقرة من التحالف مع قيادات الإرهاب من أجل مواجهة الكرد، وعليه فإن رضوخ واشنطن لضغوط أنقرة يعني تحالف أمريكا مع الإرهاب وتحولها لمجرد تابع رابع في تحالف ثالوث أستانة ..