اقتلوا “صالح” أو اطرحوه أرضاً

محسن عوض الله

نقلت وكالات الأنباء خبر توقيف السلطات التشيكية لرئيس حزب الاتحاد الديمقراطي السابق صالح مسلم بناءً على طلب أنقرة.

وأعلنت وسائل الإعلام التركية أن أنقرة شرعت في إعداد الوثائق اللازمة لتقديمها للتشيك لتتمكن من استلام المسؤول الكردي المطلوب الأول لدى تركيا.

قد يواجه مسلم مصير عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في سجون تركيا منذ قرابة 20 عاماً بعد عملية استخباراتية نفذها جهاز الميت التركي تم على إثرها اختطاف أوجلان بعد خروجه من السفارة اليونانية بالعاصمة الكينية نيروبي.

مسلم ذي 67 عاماً ابن مدينة كوباني التي شهدت مقاومة أسطورية لتنظيم داعش نجح خلالها الكرد في طرد التنظيم الإرهابي من المدينة بعد أكثر من 130 يوماً من المقاومة.

مسلم الذي أعتقل أكثر من مرة هو وزوجته على يد النظام السورية خلال أعوام 2006،2009 وسقط نجله شهيداً في معارك كوباني.

لم تتوقف تركيا عن ملاحقة مسلم حيث أدرجته على لائحة الإرهابيين الملاحقين متوعدة بتقديم 4 ملايين ليرة تركية مقابل تسليمه، كما سبق وأصدرت مذكرة اعتقال بحق مسلم و47 مسؤولاً رفيعاً من حزبه.

ربما تكون تركيا قد نجحت في تحقيق هدفها بتوقيف صالح مسلم وقد تتواطأ التشيك مع تركيا وتقوم بتسليم الزعيم الكردي وساعتها قد يقيم أردوغان الأفراح باعتبار القبض على “مسلم” انتصار عظيم كما سبق واعتبر الرئيس لتركي السابق سليمان ديميرل أن اعتقال عبد الله أوجلان الحدث الأهم في تاريخ الدولة التركية منذ تأسيسها على يد مصطفي كمال أتاتورك.

اعتقال مسلم الذي يأت مع الذكري التاسعة عشر لاعتقال أوجلان ربما يطرح سؤالاً مهماً هل أوجلان معتقل حقاً؟! هل استفادت تركيا من اعتقال الرجل وهل اعتقاله فعلاً هو الحدث الأهم في تاريخ الدولة التركية؟!

الواقع يؤكد بلا مواربة أن أوجلان الذي غيبته تركيا في سجونها منذ 19 عاماً قد يكون أفاد الكرد من محبسه بصورة ربما كان يعجز عنها وهو حر مطارد من قبل المخابرات التركية.

اعتقال أوجلان جعل منه أيقونة للثورة والصمود الكردي، صارت صوره وكلماته جزء من الوعي الكردي، أصبح حاضراً في كل الفعاليات السياسية والعسكرية فها هي صوره تزين مدينة الرقة معقل تنظيم داعش الإرهابي في سوريا بعد تحريرها على يد قوات سوريا الديمقراطية في رسالة ضمنية أن من تعتقله تركيا بتهمة الإرهاب يحتفل مع أبنائه الذين تربوا على فلسفته بدحر الإرهاب والإرهابيين.

يبدو أن ساسة الأناضول لا يتعلمون من أخطائهم ولا أخطاء سابقيهم فرغم فشل كل أساليب التعامل الأمني والعسكري مع القضية الكردية التي صارت بمثابة صداع مزمن في رأس كل رئيس تركي، ولكن للأسف كل هؤلاء لا يريدون استخدام العلاج المناسب لهذا الصداع، ويكررون بمنتهى الغباء علاج أثبت فشله وعجزه، والمضحك أنهم رغم يقينهم بفشل هذه العلاج يحاولون تبريره للشعب التركي في كل مرة.

تعامل تركيا مع أوجلان ومن بعده صالح مسلم يذكرني مع الفارق الكبير طبعاً بقصة نبي الله يوسف عليه السلام حينما قرر أخوته التخلص منه حقداً عليه نظراً لكونه المقرب لأبيهم نبي الله يعقوب.

نفذ أخوة يوسف جريمتهم وألقوه في البئر طمعاً في أن يخلوا لهم وجه أبيهم فكما ينقل عنهم القران “اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين”.

ظن أخوة يوسف أن إبعاده عن أبيه سيفتح الباب أمامهم لامتلاك قلب أبيهم بديلاً عن يوسف وهو ما لم يحدث فظل يوسف هو “حديث الصباح والمساء” لأبيه يعقوب وتحولت رؤية يوسف واستعادته إلى حلم وغاية يعيش عليها يعقوب بقية حياته لينقلب سحر الأخوة عليهم ويتحول ابتلاء يوسف أو الظاهر للعامة أنه ابتلاء إلى نعمة كبيرة أصبح خلالها وزيراً على خزائن مصر.

ما حدث بين يوسف وأخوته يتشابه مع الوضع والصراع التركي الكردي بشكل كبير، فتركيا التي لا تتوقف عن التخطيط لاعتقال القيادات الكردية وأحياناً اغتيالها اعتقاداً منها أنها بذلك تعرقل الثورة الكردية وهي في حقيقة الأمر تمنح الأكراد رمزاً جديداً وأيقونة ثورية تعزز شعورهم القومي ونظرتهم السلبية تجاه تركيا التي لم تتوقف آلاتها الحربية عن قتل الأطفال بعفرين والوقوف أمام الحلم الكردي بكردستان العراق فضلاً عن قهر أكراد تركيا ومنعهم من كل حقوقهم.

اعتقال صالح مسلم بالتشيك وتسليمه لتركيا حدث أو لم يحدث يجب ألا يؤثر في نفسية الكرد، “مسلم” رغم كل الاحترام والتقدير ليس أعز على الكرد من أوجلان، وتغييبه عن المشهد وإلقاءه بأحد سجون تركيا لن يغيبه عن عقول وقلوب الأكراد وسيتحول “بافي ولات” لأيقونة جديدة ومرجعية تخدم الثورة الكردية بشكل أكبر من وجوده حراً مطارداً.

ختاماً.. ستفشل المؤامرة التركية تجاه الكرد وزعماتهم كما فشلت مؤامرة أخوة يوسف تجاه نبي الله وأخيه وسواء قُتل صالح مسلم أو طرحه الأتراك بأحد سجونهم الانفرادية فستبقي الثورة الكردية مشتعلة لن يضيرها كيد الأتراك أو الإيرانيين أو تواطأ الروس والأمريكان.