عفرين تحارب العالم

محسن عوض الله

ربما لا تستطيع الحروف أن تعبر عن مكنون الغضب بقلبي، ولا تملك الجمل أن تصف حجم النار بداخلي، لا أستطيع أن أتكلم ولا أجد من الكلمات ما يصف غضبي تجاه هذا العالم المنافق.

منذ اندلاع الحرب على عفرين، كنت مراهنا وما زلت على قدرة المقاومة على إسقاط الجيش التركي والميليشيات المتحالفة معه.

في أكثر من حوار سواء مع منابر إعلامية أو أصدقاء كنت دوما أؤكد للجميع أن الكرد لا يخسرون عسكرياً ولا ينهزمون إلا بخيانة وهي أمر غير متوفر في “روج أفا” .

كان لدي ثقة في أن نجاح المقاومة الأسطورية بعفرين سيدفع العالم للتحرك والدفاع عن عرضه ومبادئه التي ينتهكها أردوغان.

كنت أظن وبعض الظن إثم أن لهذا العالم أخلاق ومبادئ، كنت أعتقد أن ما يسمي المجتمع الدولي يملك وازع أخلاقي أو قيمي، كنت أراهن على وجود بصيص من الضمير العالمي الذي سينتفض يوما لوقف المجازر والجرائم التي يرتكبها الإرهاب التركي بعفرين.

صدمتي لا توصف وأنا أري هذا الصمت المخزي للقوي العالمية على ما يحدث بعفرين من جرائم تركية بمشاركة واضحة لعناصر داعش وجبهة النصرة.

عرت عفرين الجميع، كشفت سوءة كل الدول، وفضحت نفاق كل الزعماء، وعهر كل المنظمات، أسقطت كل الشعارات والأقنعة، ليبدو العالم أمام صمود عفرين عاريا عفنا منتن الرائحة يعلو وجهه سواد النفاق.

مرت قرابة الشهرين على الهجمة البربرية الإرهابية التركية على مدينة الزيتون، ارتُكبت فيها كل الجرائم بداية من استهداف مناطق المدنيين وقتل النساء والأطفال وتهجير الآمنين نهاية باستخدام القنابل والأسلحة المحرمة دولياً.

ورغم كل هذه الجرائم التي لم تتوقف، لم ينطق أحد، خرست كل الألسنة، سكت الجميع وكأنهم كما قال الله في كتابه “صُم بُكم عُمي فهم لا يعقلون” .

صمتت واشنطن المستفيد الأول من قوات سوريا الديمقراطية، تواطأت روسيا وشاركت في الجرائم التركية، اختفي الاتحاد الأوروبي، اكتفت الجامعة العربية بالإدانة المتأخرة كالعادة، غاب كرد باشور وباكور عن المشهد وكأنهم من سكان المريخ وليس كردستان.

غاب الجميع، وبقيت عفرين وحدها يتيمة، ليس لها إلا شهداءها وأبطالها ولبواتها وكفى بهؤلاء عائلة، بقيت عفرين حاضرة بمقاومتها الأسطورية رغم محاولات العالم كله لوأدها واغتصاب براءتها.

بعد 60 يوماً من الحرب بات لدي يقين أن عفرين لا تحارب الأتراك ولا فصائلهم الإرهابية، عفرين تحارب العالم، عفرين تحارب روسيا وأمريكا وأوروبا، عفرين تحارب العرب والعجم بل والكرد أيضاً !!

أكثر ما يثير الامتعاض والاشمئزاز من موقف العالم من عفرين هو رؤية قيادات داعش تحارب جنباً إلى جنب مع الجيش التركي ضد وحدات حماية الشعب والمدنيين الكرد دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنا، وكأن تركيا تعاقب الأكراد على حربهم ضد داعش وتمنح الإرهابين فرصة الانتقام من الكرد الذين كسروا شوكتهم!

ختاماً.. لم يعد بمقدور العالم أن يتحدث عن قانون أو شرعية دولية فقد أثبتت حرب عفرين أن قوانين الشوارعية والبلطجية الدولية هي الدستور الذي يسير عليه العالم.

 كما بدا واضحاً لكل ذي عينين أن الإرهاب انتقل من مرحلة الميليشاوية إلى مرحلة الدولة والتنظيم الحكومي وليس أدل على ذلك من النظام التركي الراعي الأول للتنظيمات الإرهابية بسوريا وكل دعم لهذا النظام سيرتد قريبا في وجه العالم .. وإن غداً لناظره قريب