بـــــــاز: على دروب التضحية مــــاضون

لازال الأبطال يخرجون من هذا الوطن مادامت هناك أُمّهاتٌ يَلدَنَهُم ويَفدينَ بهم في سبيله، فالشجعان قِلَّةٌ لأنهم شُجعانٌ، آثروا المُضيَّ على طريقٍ رسمه لهم أبطالٌ قَبلهُم، وعاهدوهم على السير عليه حتى بلوغ الهدف المنشود والمرسوم بدماءٍ زكيَّةٍ تفوحُ منها رائحة الحرية والعزَّة والكرامة، لبّوا نداء الواجب فكانوا أهلاً لسلاحٍ حملوه وبِزّاتٍ لَبِسوها، فكانوا بحقِّ نسوراً تُحلقُ في قِمم الشموخ.

المقاتل بــــاز من مواليد الحسكة شابٌّ كغيره من الشباب السوري الطموح، كان في المراحل الأخيرة من دراسته الجامعية، لكنه لم يستطع إكمال دراسته بسبب الأزمة التي حلَّت بسوريا بعد انتشار الجماعات كتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية.

وبسبب هجوم داعش الإرهابي على مدينته الحسكة قرَّر كغيره من الشباب الغَيُّور الانخراط في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، التي رأى فيها الأمل الوحيد في تحرير بلده من رجس الإرهاب المتشدّد.

فانضمَّ لقوات الانضباط العسكري التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، فبعد تحرير الأحياء الجنوبية من مدينة الحسكة وتطهيرها بشكل كامل، وبعد تحرير مدينة الشدادي على إثر الحملة التي قامت بها قوات سوريا الديمقراطية لتحريرها من تنظيم داعش، قرَّر بـــاز الانتقال للشدادي لتنظيم الحياة هناك وحماية المدنيين والسهر على راحتهم.

وأثناء تأديته لواجبه حصل شِجارٌ بين بعض العامَّة في إحدى الأحياء ضمن المدينة شارك باز مع عدد من رفاقه في فضِّ الاشتباك وحلِّ المشكلة العالقة بينهم، وأثناء ذلك كانت هناك خلية تابعة لتنظيم داعش الإرهابي تتضمن مجموعة مؤلفة من الانتحاريين تستعد للهجوم على المدنيين أثناء انشغالهم بالشِّجار الذي كان دائراً، حيث هاجم الانتحاريون جموع المدنيين وكانوا يرتدون أحزمةً ناسفةً، فقام أحدهم بتفجير نفسه بين جموع المدنيين وهرب الآخرون بسبب اكتشاف أمرهم، فوقفَ بـــاز في طريقهم فادياً بنفسه في سبيل انقاذ المدنيين ورفاقه، ما دفع بهم للهروب، فَلاحقهم بـــاز وثلاثةٌ من رفاقه، وكانت المسافة بينهم وبين بــاز ورفاقه قريبة جداً ممّا دفع بأحدهم لتفجير نفسه على مسافة قريبة منهم فكان ما كان.

يُحدّثنا بـــاز قائلاً: عندما استيقظتُ من غيبوبتي في إحدى المشافي وذلك بعد شهرين تماماً من الحادثة المؤلمة، رأيت نفسي وقد ألمَّت بجسدي الكثير من الجروح وبالكاد أفتح عيناي وأتنفس، لكنَّ كل ذلك لم يهُمّني بقدر ما همَّني أن أطمَأنَّ على رفاقي الذين كانوا معي في تلك الحادثة، وفُجعتُ كثيراً عندما سمعتُ من بعض رفاقي أنَّ أعزَّ صديق لي قد استشهد مع اثنين آخرين.

كان أملُ نجاتيَ ضعيفٌ جداً، وكان الأطباء المسؤولون عن رعايتي قد فقدوا الأمل في نجاتي أنا أيضاً، وذلك بسبب الجروح البليغة، فقد أُصبتُ في حنجرتي بجرحٍ بليغٍ غارَ عميقاً داخلها ما أدَّى إلى قطعٍ شبهِ كاملٍ الرُّغامى أسفل الحنجرة، وكذلك بجروحٍ عميقةٍ في رأسي ومعظم أنحاء جسدي الذي بدا مُنهكاً لطول فترة الغيبوبة التي قضيتها حتى أنَّي بالكاد أتنفس بسبب الجرح البليغ في حنجرتي.

مضى الآن أكثر من عامٍ على إصابتي وقد تحسَّنتُ كثيراً عمَّا قبل، ولازلتُ أتلقّى العلاج لكن صورة رفاقي الشهداء الذين كانوا معي لا تُفارق مُخيلتي، وقد عاهدتهم على المُضيَّ في ذات الطريق الذي رسمناه سوياً، وأقوم بين فترةٍ وأخرى بزيارة قبورهم وأهلهم الذين يعتبرونني أحد أبنائهم، لأُجدّد لهم العهد، وأني سأحمل رايتهم التي أقسمنا على حملها حتى تحقيق هدفنا المنشود وهو تحرير وطننا.

المركز الإعلامي لقوات سوريـــا الديمقراطية