دماء على كرسي السلطان الحائر

محسن عوض الله

كعادته دوماً، لا يتوقف الرئيس التركي عن إطلاق التهديدات تجاه ما يسميه الخطر الكردي على الدولة التركية، ولا يجد أردوغان غضاضة فى تكرار نفس العبارات والكلمات والجمل في مناسبات ومشاهد مختلفة سواء كان الحديث عن سوريا أو العراق، فالكل في نظر أردوغان أكراداً إرهابيين لا يستحقون الحياة.

يتبع أردوغان شأنه شأن كل الحكام الطغاة المستبدين نظرية الزعيم النازي أدولف هتلر ” إذا أردت أن تسيطر على شعب فأوهمه أن أمنه في خطر، وأن هناك عدواً يستهدفه ويطارده، ثم شكك في وطنية من يعارضك”.

يطبق أردوغان نظرية هتلر بحذافيرها للسيطرة على الشعب التركي، فهو دوماً يبحث عن عدو، ويصدره لشعبه، ولا يجد أسهل من الأكراد لتقديمهم في هذه الصورة التي يصنعها إعلامه، فالأكراد في الإعلام التركي تنظيم إرهابي يسعى لتفتيت الدولة التركية.

وحتى الأحزاب الكردية التي تعمل بشكل رسمي وقانوني داخل تركيا لا تتمتع بأية حصانة سياسية بدليل أن المرشح الرئاسي صلاح الدين ديمرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطية ثاني أكبر أحزاب المعارضة التركية ينافس في الانتخابات الرئاسية من داخل سجنه بعد أن تم اعتقاله منذ قرابة العام ونصف العام، بزعم اتصاله مع حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا تنظيماً إرهابياً وهو إجراء يتماشى مع نظرية هتلر “شكك في وطنية من يعارضك”.

كل من يعارض أردوغان الآن تلاحقه اتهامات الخيانة والعمالة، فإما أنه أحد أعضاء حركة خدمة التابعة لرجل الدين فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بالضلوع في محاولة انقلاب 15 يوليو 2015، أو على علاقة بحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية، والسجون تعج بالآلاف من مؤيدي الطرفين أو المحسوبين عليهم ظلماً وزوراً.

وتأتي التهديدات التركية والضربات الجوية التي تنفذها تركيا في جبل قنديل بشمال العراق في سياق نظرية هتلر ” اصنع عدو” حيث يستخدم أردوغان التعبيرات الإعلامية الفضفاضة مثل الإرهاب لحشد رأي عام داخلي وخارجي مؤيد لعمليته المرتقبة في شمال العراق التي أعلن وزير داخليته أنها باتت مسألة وقت ليس إلا.

يلعب أردوغان على مشاعر الأتراك وخاصة التيار القومي المتطرف الذي لا يعترف بالمكونات والأعراق الأخرى بالدولة التركية وما أكثرها، ذلك التيار الذي كان له دور كبير في قرار أردوغان احتلال عفرين.

عفرين تلك المدينة التي كانت آمنة مطمئنة قبل أن تحتلها قوات أردوغان وميليشياته تمثل نقطة جوهرية وسبباً رئيسياً في قرار أردوغان تقديم موعد الانتخابات التركية خاصة أن الأخير يسعى لاستغلال ما يراه انتصاراً مؤزراً على الأكراد بعفرين فى تحقيق مكاسب انتخابية تضمن له البقاء على رأس السلطة خوفاً من حدوث تقلبات لا تحمد عقباها تهدد أحلامه في استعادة الأمجاد العثمانية.

أردوغان الذي روج لحرب عفرين السورية باعتبارها معقلاً لما يسميها الميليشيات الكردية التي تهدد أمن تركيا يحاول تكرار نفس السيناريو في العراق، حيث أعلن الاثنين 11 يونيو أن بلاده ستجفف ما وصفه بـ”مستنقع الإرهاب ” في منطقة قنديل شمالي العراق تماماً كما فعلت في عفرين بسوريا.

يحاول أردوغان من خلال التهديد بعملية عسكرية جديدة وتنفيذ ضربات جوية في جبل قنديل توحيد الأتراك خلفه، والهروب من خلافاته الداخلية، وأزمات البلاد الاقتصادية وهي سياسة سجلها التاريخ مع الكثير من النظم الاستبدادية حول العالم.

في عام 1982 كان النظام العسكري الحاكم بالأرجنتين يواجه صعوبات ضخمة في إدارة البلاد بسبب الأزمة الاقتصادية التي تسببت في اندلاع احتجاجات شعبية واجهتها السلطة بكل عنف، لدرجة أن الاضطرابات أدت لمقتل 15 ألف شخص.

المجلس العسكري بقيادة الجنرال ليوبولدو غالتيري وجد ضالته المنشودة في مغامرة خارجية شأنه في ذلك شأن أي حاكم دكتاتوري مستبد، فأطلق عملية عسكرية احتل على أثرها جزر “فوكلاند/ لاس مالفيناس” التي كانت مستعمرة بريطانية منذ عام 1833، وحتى ذلك اليوم.

وجاء رد فعل الشعب الأرجنتيني حيال العملية مثلما أراد الجنرال حيث احتشد الملايين أمام القصر الرئاسي في ساحة ” بلازا دي مايو” في عاصمة البلاد، للتعبير عن دعمه للعملية العسكرية متناسيا أزماته الإقتصادية والسياسية.

وبحسب الكاتب التركي أوموط أوزقرملي فأوجه التشابه بين الأرجنتين وتركيا كبيرة، فمن حزب واحد يحكم منذ 16 عاماً ورئيس مطلق الصلاحيات إلى أزمة اقتصادية، حتى وإن كانت أقل حدة من مثيلتها في الأرجنتين، فضلاً عن تراجع مستوي الديمقراطية ونسبة الاعتقالات غير المسبوقة للمعارضين وارتفاع حدة الانتقادات الدولية.

مغامرات أردوغان العسكرية سواء في عفرين التي احتلها بعد حرب الـ60 يوماً أو قنديل التي يريد احتلالها الهدف الرئيسي منها القفز على المشاكل الداخلية بتركيا وحشد أكبر عدد من الأصوات المؤيده له في الانتخابات الرئاسية ما يسهل حفاظه على منصبه ذي الصلاحيات العثمانية.

لن يسمح أردوغان لأحد أن يسكن قصره، أو حتى يزاحمه في طريق السلطة المطلقة التي غير من أجلها دستور البلاد بصورة تجعل من الرئيس القادم سلطاناً عثمانياً بما يتوافق مع أيديولوجيته وطموحاته، عدل أردوغان الدستور من أجل أن يتمتع هو بالسلطة المطلقة وليس أحداً غيره، وبالتي فهو مستعد لفعل أي شيء للوصول لكرسي السلطة حتى لو أصبح هذا الكرسي مخضباً بدماء الأبرياء الكرد؛ولن يتورع في مغازلة القوميين الأتراك وتقديم نفسه كخليفة أتاتورك، كما لن يجد غضاضة في ارتداء قناع أرطغرل عند حديثه مع الإسلاميين فليس المهم من يكون، المهم أن يبقى في السلطة، بأي ثمن.

لا أحد يعلم من هو أردوغان وماذا يريد، فالرجل حائر في الخارج ما بين حضن العم سام الأمريكي، وجمال الدب الروسي، ما بين دعم مقاومة حماس في فلسطين، وانتهاج سياسة إسرائيل في عفرين.

وبالداخل ما بين تطرف القوميين، وخلافة الإسلاميين، ما بين رغبته بالقضاء على الأكراد، وحاجته لأصواتهم.

سيصل أردوغان للسلطة ولكنها ستكون مرحلة مفصلية فى تاريخ تركيا خاصة أن محاولات أردوغان لفتح أكثر من جبهة في توقيت واحد سيكون لها آثار عكسية على بلاده، ولن يصمت المجتمع الدولي طويلاً على كفالة تركيا للتنظيمات الإرهابية واستخدامها كرأس حربة في تحقيق تنفيذ سياساتها الإستعمارية بسوريا والعراق، كما أن نجاح أنقرة في مغازلة كل القوى الدولية والرقص بين العواصم الكبرى لن يدوم طويلاً.

الحرب على قنديل لن تتعدى مرحلة الضربات الجوية خاصة إن الوضع في العراق يختلف عن سوريا، ففي العراق لا يوجد دب روسي يعقد الصفقات، ويبيع ويخون، كما حدث في عفرين، كما أن تركيا لا تسيطر على مناطق بشمال العراق عكس جرابلس والباب وإعزاز بسوريا فضلاً أن إيران التي زعمت أنقرة دعمها للعملية نفت ذلك.

ختاماً .. تبدو الحرب التركية على قنديل جزء من حملة الدعاية الانتخابية لأردوغان الذي يدرك أكثر من قادته العسكريين أن فكرة القضاء على حزب العمال الكردستانيpkk  أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً حدوثه خاصة أن الحزب الذي أسسه عبد الله أوجلان يعتنق أنصاره ومؤيدوه أيديولوجية فكرية تجعلهم لا يبالون من تقديم أرواحهم فداء لتلك الفكرة.