خبات جبنه.. سيرة مقاتلٍ عاهد بالسير على خطى الشهداء حتّى الرمق الأخير
في تاريخ كلّ شعب مقاتلون أشاوس، قضوا دفاعاً عن شعبهم وأرضهم من هجمات الغزاة والطامعين. وآلافٌ من المقاتلين والمقاتلات الذين مازالوا يسطّرون أعظم ملاحم البطولة على امتداد جغرافيا روج آفا وشمال سوريّا في وجه أعتى قوى الشر والظلام، دون ترددٍ، وبإصرارٍ لا يلين، وعزيمةٍ فولاذيّة، وإرادةٍ لا تقهر.
مقاتلو ومقاتلات وحدات حماية الشعب والمرأة هم أبناء وبنات روج آفا الذين أبوا أن يلازموا منازلهم، بينما يتعرّض شعبهم وأرضهم لأبشع حملات الإبادة منذ بداية الحرب السّوريّة في 2011.
المقاتل “خبات جبنه”، الشّاب الذي التحق بوحدات الحماية الذاتيّة الشعبيّة (YXG)، قبيل تأسيس وحدات حماية الشعب (YPG) في 2012 كقوّةٍ أساسيّة تدافع عن كافة شعوب روج آفا. من مواليد قرية “جبنه” التابعة لمقاطعة كوباني/1995.
تلقّى “خبات” تدريباته العسكريّة في كوباني، قبل أن ينضمّ إلى جبهات القتال في وجه مجموعات ما تسمّى “الجيش الحرّ”، وشارك في جبهات القتال ضدّ تنظيم داعش الإرهابيّ على امتداد مقاطعة كوباني 2014، ولاحقاً ضدّ جيش الاحتلال التركيّ ضمن مقاومة العصر في مقاطعة عفرين.
شارك المقاتل خبات في جبهات مناطق “الشيوخ، صرّين، سدّ تشرين، قره قوزاق، حملة تحرير مدينة منبج، وكذلك في صدّ الهجوم التركيّ على بلدة العريمة غربي منبج، وحملة تحرير عين عيسى، وحملة تحرير الطبقة وريفها وحملة تحرير مدينة الرّقّة، إلى جانب المشاركة في مقاومة العصر في مقاطعة عفرين”.
تعرّض المقاتل خبات للإصابة عدّة مرّات، في جبهات كوباني، منبج، صرّين والرّقّة وعفرين، لكنّ إصاباته لم تكن تثنيه عن متابعة القتال ومشاركة رفاقه في صدّ هجمات المرتزقة والمحتلّين.
تأثّر بالمقاومة الملحميّة التي أبدتها آرين ميركان في وجه داعش
تأثّر “خبات” بتضحيات مقاتلي ومقاتلات وحدات حماية الشعب والمرأة الـ(YPG) والـ(YPJ)، لا سيّما المقاومة الأسطوريّة التي أبدتها آرين ميركان عندما نفّذت عمليّة فدائيّة لصدّ هجوم تنظيم داعش الإرهابيّ على تلّة “مشتى” نور. فيقول: “أمام هذه المقاومة الملحميّة التي لا تُقهر؛ أدرك إرهابيو داعش ومن ورائهم تركيّا التي كانت تتحضّر لسقوط كوباني، مدى المقاومة التي تبديها وحدات حماية الشعب والمرأة، واستحالة كسر إرادة هؤلاء المقاتلين والمقاتلات، رغم الزخم العسكريّ الهائل الذي وضعه تنظيم داعش الإرهابي للسيطرة على المدينة”.
مواقف لا تفارق مخيلته …
ويروي “خبات” قصّة وقوعهم في الحصار مع مجموعة الشهيد “جاف رش” في قرية (مناز) غربي كوباني بالقول: “بقينا محاصرين في قرية (مناز) أربعة أيّام دون طعام أو شراب، لكن معنوياتنا لم تتأثّر أبداً. بل على العكس من ذلك كان كلّ أعضاء المجموعة مستعدّين للتضحية بأنفسهم في سبيل البقيّة. واقترب منّا إرهابيو داعش بشكل كبير وكدنا نقع أسرى في أيديهم حيث طالبونا بالاستسلام مراراً، إلى أن استطعنا الخروج سالمين بعد معارك عنيفة خاضها رفاقنا مع الإرهابيين، تمكّنوا خلالها فكّ الحصار عنّا”.
ويشير المقاتل “خبات” إلى موقفٍ آخر لا يفارق مخيّلته عندما كان محاصراً في “تل شعير”، غربي كوباني قائلاً: “حوصِرَت مجموعتنا من قبل إرهابيي داعش وكان معنا كلّ من “جوان كوباني وحمودة كوباني” والأخير أحد الوطنيين الذين ساندوا وحدات حماية الشعب في جبهات القتال أثناء معارك كوباني. وأثناء الاشتباكات استشهد كلّ من “جوان كوباني وحمودة كوباني” وبقي جثمانهما في أرض المعركة يوماً كاملاً دون أن نتمكّن من إحضارهما. إلا أنّنا في اليوم التالي استطعنا تحرير التلّة الإستراتيجيّة المشرفة على المنطقة بشكل كامل، واستعادة الجثمانين، بالإضافة إلى الاستيلاء على ثمانية جثث لقتلى داعش الإرهابي والسيطرة على كميّةٍ من الذخيرة”.
شارك في “مقاومة العصر” رغم منع قيادته العسكريّة
وأثناء مقاومة العصر في مقاطعة عفرين في وجه العدوان التركيّ، أبى المقاتل “خبات جبنه” إلّا أن يتوجّه إلى عفرين والمشاركة في جبهات القتال ضدّ جيش الاحتلال التركيّ ومرتزقته. لكنّ مشاركة شقيقته “جيجك كوباني”، المقاتلة ضمن وحدات حماية المرأة الـ(YPJ) في مقاومة العصر، كانت سبباً لرفض قيادته إرساله إلى عفرين. لكنّ “خبات” أصرّ في قراره، وتوجّه إلى عفرين دون إذن قيادته. حيث اختبأ في خلفيّة إحدى السيّارات العسكريّة التي كانت متوجّهة إلى هناك ضمن نفس القافلة التي كانت شقيقته موجودة فيها. فهو لم يتقبّل فكرة تعرّض شعبه للعدوان والهجمات الوحشيّة التي لم يسلم منها لا البشر ولا الشجر ولا الحجر، والتي استخدم فيها سلاح حلف الناتو، دون أن يحرّك الأخير ساكناً، في ظلّ صمت دوليّ مريب تجاه المجازر المرتكبة بحقّ أبناء عفرين.
آفيستا خابور وإيلان كوباني كانا درساً ملحميّاً في المقاومة
ويؤكّد “خبات” أنّ صور أمّهات الشهداء لم تفارق مخيّلته بتاتاً، وكذلك كانت العمليّتان الفدائيّتان اللتان نفذّتهما الشهيدة آفيستا خابور (27/01/2018) والشهيد إيلان كوباني (08/03/2018) درساً ملحميّاً في النضال والمقاومة حتّى آخر رمق. حيث وصل إلى عفرين بعد يومين من تنفيذ الشهيدة “آفيستا خابور” لعمليّتها الفدائيّة في قرية “حمّام” بناحية جندريسه، وتوجّه إلى المكان نفسه حيث كانت المعارك على أشدّها والطائرات الحربيّة التركيّة لا تفارق سماء المنطقة وتقصف أيّ هدفٍ متحرّك حتّى المدنيين.
كما أنّ تحضيرات الشهيد “إيلان كوباني” لعمليّته الفدائيّة في الليلة التي سبقت العمليّة حُفرت في الذاكرة عميقاً، حيث التقاه خبات في مركز جندريسه. والشيء الذي لن ينساه أبداً هو البريق الذي في عينيه، والذي ينمّ عن عزيمة فولاذيّة وإرادة لا تُقهر. فلم يكن متردّداً ولو قيد أنملة، وكان دائم الابتسامة، وكأنّه يحضّر لنزهةٍ في ربوع عفرين.
ويؤكّد المقاتل “خبات” بأنّه إن حاول سرد القصص التي مرّ بها في عفرين، فعدّة ساعات لن تكفيه لذكرها. فمئات المقاتلين والمقاتلات الذين سطّروا أعظم الملاحم البطوليّة على مدى شهرين من القتال في وجه ثاني أقوى جيش في حلف الناتو كان لهم بالغ الأثر في شخصيّته، فيقول: “ما زادوني إلا إصراراً على المضيّ قُدُماً في الدرب الذي خطوه بدمائهم الطاهرة في سبيل الدفاع عن عفرين وشعبها”.
كيلا نكرّر مأساة الإيزيديين في عفرين؛ علينا أن نكون درعاً منيعاً
مقاتلة أخرى كان دافعاً لمتابعة مسيرة المقاومة والنضال حتّى تحرير عفرين من رجس الاحتلال التركيّ ومرتزقته. فالمقاتلة الإيزيديّة “آرين شنكال” دائماً كانت تذكر أنّهم تعرّضوا عبر التاريخ لأكثر من (73) حملة إبادة جماعيّة، وكانت تقول: “كيلا نكرّر مأساة الإيزيديين في عفرين؛ علينا أن نكون درعاً منيعاً في وجه الهجمات التي تتعرّض لها، وألا نسمح للأتراك بالدخول إليها إلا على جثثنا”.
ويشير خبات إلى أنّ كلماتها تلك مازالت تتردّد في مسامعه حتّى الآن، وكأنّ الأمس هو اليوم. ويقول: “سأبقى ما حييت وفيّاً ومخلصاً لذكرى أولئك المقاتلين والمقاتلات الذين أصبحوا ملاحم سترويها الأجيال من بعدنا، واستحالوا نجوماً تزيّن سماء الحرّيّة المنشودة، وسأكون ملتزماً بالدرب الذي سلكوه حتّى آخر قطرة دمٍ تجري في عروقي”.
“لن أشارك في محاربة داعش الإرهابي حتّى تحرير عفرين”
بعد احتلال عفرين من قبل الجيش التركيّ، قطع المقاتل “خبات جبنه” عهداً على نفسه بألا يشارك في محاربة تنظيم داعش الإرهابي، طالما أنّ التحالف الدّوليّ لمحاربة الإرهاب بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكيّة غضّت الطرف – وماتزال – عن الجرائم ضدّ الإنسانيّة والمجازر التي ارتكبت في عفرين على يد جيش الاحتلال التركيّ ومرتزقته، بتواطؤ روسيّ واضح. فيقول: “لقّنتني مقاومة عفرين درساً مهمّاً؛ وهو أنّ حقوق الإنسان التي تتبجّح بها الولايات المتّحدة الأمريكيّة ما هي إلا أكذوبة تتّستر خلفها لتحقيق مصالحها وإستراتيجيّتها على حساب دماء الأبرياء من أطفالنا ونسائنا، وخصوصاً أطفال ونساء عفرين.
ويعاهد المقاتل “خبات جبنه”، أهالي عفرين أن يبقى ملتزماً بالوعد الذي قطعه على نفسه بالسير على خطى الشهداء حتّى تحرير عفرين من رجس الاحتلال التركيّ ومرتزقته.
المركز الإعلاميّ لقوّات سوريّا الديمقراطيّة