جريمة الدعاية الإعلاميّة التركيّة لحرب الاعتداء
أدّت وسائل الإعلام والاتّصال التركيّة وكذلك السّوريّة التي جنّدتها السلطات التركيّة في خدمة مصالحها وأهدافها، دوراً بالغاً في الخطورة والأهميّة على التأثير بالرأي العام التركيّ والمحلّيّ السّوريّ، ووجهتّها نحو قضيّة معيّنة، دعمت فيها وساندت من خلالها توجّهات الدّولة التركيّة في تنفيذ سياساتها وأهدافها العسكريّة والاقتصاديّة، وفي الوقت نفسه طمست توجّهات الشعب السّوريّ في عفرين، فكانت بعيدة عن الواقعيّة والمصداقيّة المهنيّة وقامت بتشويه الحقائق، وكانت سبباً في تدمير ثقافة التعايش السلميّ بين السّوريين باختلاف أعراقهم وأديانهم وتوجّهاتهم السياسيّة.
فقد تجاهلت هذه الوسائل الإعلاميّة بمختلف أنواعها المرئيّة والمسموعة والمكتوبة، وكذلك عن طريق الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّ، جهود الإدارة السياسيّة والخدميّة والعسكريّة في عفرين، والتي كانت تعمل في سبيل تخفيف المعاناة على النازحين والمواطنين وقدّمت لهم شتّى أنواع المساعدات، وبسطت الأمن والاستقرار في فترة زمنيّة قصيرة مقارنةً بالوضع السّوريّ ككلّ والذي يشهد حتّى الآن صراعات عسكريّة طاحنة، وروّجت في ذات الوقت لثقافة الحرب والصراعات الأهليّة، وأثّرت بشكل عميق في سلوك الأفراد وعواطفهم وتوجّهاتهم، وخاصّة البسطاء من الشعب السّوريّ ذو الأغلبيّة السنّيّة من الأخوّة العرب.
وتعمّدت هذه الوسائل أسلوب التحريض والفبركة والحثّ على زرع الفتنة والرّوح العدائيّة بين مكوّنات المجتمع السّوريّ والتي من شأنها أن تهدد الوحدة الوطنيّة وسلامة المجتمع واستقراره في بقعة جغرافيّة معينة، وكلّ ذلك من أجل إرضاء السلطات الحاكمة التركيّة، لتنفيذ مشاريعهم السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة، حيث حاولت تسويق صورة وحدات حماية الشعب والمرأة وقوّات سوريّا الديمقراطيّة على أنّهم مجرمين وكفّار وإرهابيين في أذهان المجتمع التركيّ والسّوريّ، اللذان كانا ولا يزالا ضحيّة سياسات مخطّطة وممنهجة ممزوجة بالخبث والمكر عن طريق مخاطبتهم بالخطاب الدّينيّ.
وقد تبنّت تلك الوسائل الإعلاميّة خطاباً “عنصريّاً محرّضاً” على القتل والحرب والدمار ضدّ الكرد في عفرين، سواءً بشكل مباشر عن طريق تشجيع السّوريين لحمل السلاح والاقتتال إلى جانب القوّات التركيّة مقابل منحهم امتيازات ماليّة أو سياسيّة أو عسكريّة، أو بشكل أسلوب تعبيريّ ذا مضمون نفسيّ مؤثّر في النفوس بغية دفعهم لارتكاب أيّ عمل من شأنه أن يؤدّي إلى إثارة الحرب بين مكوّنات الشعب السّوريّ، وقد كان لهذا الخطاب الإعلاميّ دور كبير في زرع الكره والحقد والانقسام العنصريّ بين السّوريين والإخلال بالنظام العام السائد، وظهر ذلك جليّاً بعد قيام المجموعات المسلّحة بأبشع الجرائم والانتهاكات غير الإنسانية واللا قانونيّة بحقّ المدنيين بعد احتلالهم لقرى ومناطق عفرين.
إنّ وسائل الإعلام التركيّة اتّخذت صورة تضليل الرأي العام المحلّي والعالميّ في اعتدائها على إقليم عفرين، وذلك بتشويه الحقائق بخصوص طبيعة الاعتداء على المدنيين، ومحاولة النيل من سمعة وحدات حماية الشعب والمرأة، بتقديمها الافتراءات الباطلة بحقّ هذه الوحدات، التي تقوم بواجبها الوطنيّ والإنسانيّ في الدفاع عن كرامة شعبها وحرّيّتهم وآمنهم، في وجه الهجمات الإرهابيّة من قبل ما يسمّى تنظيم الدّولة الإسلاميّة (داعش)، وكذلك الهجمات العدائيّة المخالفة للقوانين والمواثيق الدّوليّة من قبل تركيّا والجماعات المسلّحة التابعة لها.
لقد تمّ استغلال وسائل الإعلام التركيّة من قبل السلطة الحاكمة هناك، ووجّهتها حسب مصالحها السياسيّة، فوسائل الإعلام هي سلاح ذو حدّين تُستخدم في نشر السلام والمحبّة وحوار الحضارات، كما تُستخدم للشرّ ونشر الكره والتعصّب والكذب وبثّ روح العداوة بين الشعوب، وعلى هذا الأساس تمّ استخدام وتسخير وسائل الإعلام التركيّة لمساندة الاعتداء التركيّ على إقليم عفرين، وتحريف الحقائق والمعلومات حول الانتهاكات الجسيمة التي أرتكبها الجيش التركيّ والجماعات الإرهابيّة.
وقد عملت وسائل الإعلام التركيّة على نشر الدعاية للحرب العدوانيّة على الكرد قبل وبعد بدء العدوان التركيّ، وذلك من خلال نشر الأكاذيب والافتراءات الباطلة عن وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة في سوريّا، ووجّهت الشعب التركيّ والرأي العام المحلّي والعالميّ لشرعنة العدوان، والتشجيع على الحرب، وإذكاء الرّوح الوطنيّة بين الناس، واستثارة عواطفهم، وإبراز المكاسب التي ستجنيها – أي تركيّا – من عمليّة غصن الزيتون، والتبشير بالنصر الكبير الذي يمكن أن يحصلوا عليه، مقابل الخسارة الفادحة التي سوف تصيب وحدات الحماية في عفرين، فكانت تنشر مقاطع فيديو لم تحدث في سوريّا مطلقاً، وتستخفّ بعقول المواطنين الأتراك وتلعب معهم لعبة نفسيّة قذرة.
ويُعتبر كلّ نشاط إعلاميّ مقصود تخطّط له وتنفّذه السلطات المسؤولة عن النشاط الإعلاميّ في الدّولة، أو تقبل به، ويكون الغرض منه الحثّ على الحروب، أو الأعمال العدوانيّة، أو إنهاء العلاقات السلميّة والودّيّة بين الدّول، هي من قبيل جريمة الدعاية الإعلاميّة لحرب الاعتداء.
ونظراً لخطورة الدعاية الإعلاميّة لحرب الاعتداء وأثرها على مستقبل السلام العالميّ، فقد اتّجه المجتمع الدّوليّ إلى تجريمها بشكل مستقلّ عن الجرائم الأخرى، فقد دعت عصبة الأمم في عام 1931 بالمؤتمر الثامن والعشرين الذي انعقد في بروكسل، على ترك كلّ دعاية إعلاميّة للحرب، ومنع وقمع كلّ من يسعى بالكلمة أو بالقلم أو بأيّة وسيلة أخرى للتحريض على الحرب.
وأصدرت الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة القرار (11/110) بتاريخ (8/11/1947) والذي يجرّم الدعاية الإعلاميّة للحرب، ويدين كلّ تحريض أو تشجيع على تهديد السلام أو انتهاكه أو على اتيان أيّ عمل عدوانيّ.
وقد نصّت المادة (20) من الاتّفاقيّة الدّوليّة المتعلّقة بحقوق الإنسان المدنيّة والسياسيّة الصادرة بتاريخ (16/12/1966) على أنّه: “تُمنع بحكم القانون كلّ دعاية من أجل الحرب”.
وجاء في المادة الثالثة من الإعلان حول المبادئ الأساسيّة الخاصّة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدّوليّ، الصادر عن المؤتمر العام لمنظّمة الأمم المتّحدة (اليونسكو) في دورته العشرين بتاريخ (28/11/1978) (على وسائل الإعلام أن تقدّم إسهاماً هامّاً في دعم السلام والتفاهم الدّوليّ وفي مكافحة العنصريّة والفصل العنصريّ والتحريض على الحرب).
ونصّ قانون العقوبات السّوريّ في المادّتين (208) + (213) على اعتبار صاحب الكلام أو الكتابة أو الناشر شركاء في جريمة الدعاية الإعلاميّة، إلا إذا أثبت الناشر أنّ النشر تمّ دون علمه.
وقد تحقّق الركن المادّيّ والمعنويّ والدّوليّ لجريمة الدعاية الإعلاميّة لحرب الاعتداء لوسائل الاعلام التركيّة، حيث تحقّقت النتيجة الإجراميّة، وتمّ فعل الاعتداء فعلاً، وهذه الوسائل كانت على عِلمٍ تام من أجل إثارة الرأي العام، واتّجهت إرادتها إلى فعل الدعاية الإعلاميّة لحرب الاعتداء، واتّخذ هذا العِلم صورة القصد نحو الإقدام على هذه الحرب ضدّ عفرين، وهذه الدعاية تمّت لحساب السلطة الحاكمة في تركيّا، بناءً على خطّة إعلاميّة مدروسة تعكس سياستها في هذا الخصوص وذلك عبر المؤسّسات الإعلاميّة المختلفة للدّولة، ولا فرق أن تكون هذه المؤسّسات الإعلاميّة رسميّة عائدة للحكومة أو خاصّة لطالما الدولة ترخّص لها بذلك، وتدخل ضمن خطّتها الإعلاميّة العامّة، ولا يجوز للمؤسّسات الإعلاميّة الخاصّة التذرّع بأنّ الدّولة تكفل لمواطنيها حرّيّة التعبير، إذ إنّ هذه الحرّيّة ليست مطلقة، والقول بغير ذلك يعني إفلات المسؤولين عن الإعلام في الدّولة من المسؤوليّة عن جريمة الدعاية لحرب الاعتداء، إذ يكفي ترك هذه المهمّة إلى وسائل الاعلام الخاصّة دون العامّة ويصبح وجود هذه الجريمة عديمة الفائدة.
ويجب التنويه بأنّ الصمت الدّوليّ تجاه الاعتداء التركيّ الهمجيّ على إقليم عفرين غير مبرّر، وخاصّة بعد الانتهاكات الجسيمة التي تقوم بها تركيّا والجماعات الإرهابيّة التابعة لها، من مجازر بحقّ المدنيين وانتهاك حقوق الإنسان، واستهداف الأعيان (المنشآت) المدنيّة والثقافيّة والتي لها علاقة مباشرة بحياة ووجود المدنيين في عفرين، وفي الوقت ذاته يجب على المنظّمات الدّوليّة الحقوقيّة والإنسانيّة تكثيف جهودها والضغط على الحكومات والدول من أجل معرفة ورصد وتوثيق الجرائم والانتهاكات التركيّة بحقّ المدنيين والمجازر الإنسانيّة بحقّ الأهالي هناك، وإظهار حقيقة الاعتداء التركيّ للرأي العام العالميّ، للكفّ عن قتل وتعذيب المدنيين والتوقّف عن القيام بأعمال السلب والنهب بحقّهم والاستيلاء على أملاكهم ومنازلهم، وكذلك من أجل احترام اتّفاقيّات جنيف الأربع والمواثيق الدّوليّة، فيما يخصّ المدنيين والعسكريين أثناء الحروب، واحترام مبادئ حقوق الإنسان في حالات الاحتلال.
وعلى المجتمع الدّوليّ، والجهات الدّوليّة المختصّة من أجل المساهمة في نشر السلام العالميّ وتخفيف الحروب والاعتداءات غير المشروعة العمل على ما يلي:
1 – اتّخاذ التدابير العقابيّة الكفيلة بقدر الإمكان، بمنع وقمع كلّ من يسعى بأيّ وسيلة إعلاميّة للتحريض على الحرب.
2 – وقف ومنع كلّ وسيلة إعلاميّة من شأنها الإضرار بحسن التفاهم الدّوليّ ونشر الكراهية بين الشعوب وتشويش الرأي المحلّيّ والعالميّ.
3 – فضح السياسات الإعلاميّة للدّول الهادفة إلى النيل وتشويه السمعة لبعض الأطراف، وتقديم الحقائق الكاذبة للعالم، من مبدأ عام وهو احترام العقول البشريّة، واحترام حقّ الشعوب في معرفة الحقيقة.
المكتب القانونيّ لقوّات سوريّا الديمقراطيّة
سوريّا /27/7/2018