ميرخاس شيران.. قصّة كفاحٍ في وجه الإرهاب
يفتخر كلّ شعب من الشعوب التي ناضلت في سبيل نيل حريتها بأبطالها الذين سطروا أروع ملاحم البطولة والفداء في وجه الظلم والطغيان، وقضى كثيرٌ منهم دفاعاً عن شعبهم وأرضهم.
وكان وما يزال لشعوب الشمال السوري دوراً رائداً في رسم معالم جديدة للبطولة عنوانها ” النضال في سبيل الحريّة“.
وعندما حلّ ظلام الإرهاب، أبى مقاتلو ومقاتلات وحدات حماية الشعب والمرأة ترك ديارهم بينما يتعرّض شعبهم لأبشع إبادةٍ جماعيّة في العصر الحديث. فكان للحريّة بقيّةٌ من أمل في قلبٍ مكلوم لشعبٍ شيّد حريّته بدماء أبطاله.
المقاتل “علي مصطفى خليل”، الاسم الحركي “ميرخاس شيران”، من مواليد قرية “جخر شرقي”، التي تبعد عن كوباني 45كم.
ميرخاس ابن الأسرة الريفيّة البسيطة، الذي لم يرى والده حتى بلغ الثالثة عشر من عمره، لأنّه سافر بعد ولادته بأشهر ليعمل في الجزائر طوال هذه المدّة. فكانت والدته كلّ شيءٍ بالنسبة للعائلة المكوّنة من ستّة أشقاء وشقيقتين.
وسكنت العائلة في حيّ الرميلة بمدينة الرقة حتى الـ 2011 لتعود مجدّداً إلى قريتها بعد عودة الأب للاستقرار مع أسرته بشكلٍ نهائي بعد أن تحسّن وضعها المادّي.
بدايات انخراطه في الكفاح العسكري
ومع عود العائلة، كانت المنطقة تشهد بداية ظهور وحدات حماية الشعب، فانضمّ ميرخاس وشقيقه خليل لدورةٍ تدريبيّة على استخدام السلاح لمدّة 15 يوماً، كما تلقّى تدريباتٍ سياسيّة وفكريّة وعسكريّة موسّعة فيما بعد.
ولاحقاً تمّ تشكيل وحدة لحماية القرية مكوّنة من 20 مقاتلاً كان “ميرخاس” أحد أفرادها. وفي الوقت نفسه كان والد ميرخاس يساعد وحدات الحماية بسيارته التي كان ينقل بها المقاتلين والمقاتلات إلى الجبهات.
التدريبات الفكرية صقلت شخصيّته.. فبات قائداً كبيراً في ميادين القتال
أسهمت الدروس السياسيّة والفكريّة التي تلقاها “ميرخاس” أثناء فترة التدريب في صقل شخصيّته. ورسّخت تلك الدروس مبادئ الحريّة والعيش المشترك على أساس المساواة والإخاء بين شعوب المنطقة في شخصيّة “ميرخاس” الذي بات قائداً كبيراً في ميادين وجبهات القتال.
المعارك الأولى التي خاضها “ميرخاس”
خاص المقاتل “ميرخاس” أولى معاركه ضمن وحدات حماية الشعب الـ (YPG) بداية شهر نيسان 2012، حيث شنّ إرهابيّو “جبهة النصرة” ومرتزقة “الجيش الحر” حينها هجماتٍ على مواقع هذه الوحدات. وكان “ميرخاس” في ذاك الوقت يقاتل في جبهات “أبو صرّة”، و”أبو حيّة” ثم “سوسك” و “كندال”، واستمرت هذه المعارك حتى الـ 2014 حين بدأ هجوم تنظيم داعش الإرهابيّ على هذه المناطق وتراجعت وحدات حماية الشعب باتجاه مدينة كوباني.
القتال في الخطوط الخلفية لداعش
أثناء تراجع وحدات حماية الشعب (YPG)، جرّاء هجوم عنيف شنّه إرهابيّو داعش على المنطقة، كان ميرخاس في طريقه لقريته للاطمئنان على أهله الذين كانوا قد غادروا القرية مع جميع السكان، باستثناء عددٍ من كبار السن الذين رفضوا ترك قريتهم، فقرر اللحاق بهم، لكنّه فوجئ بأنّ إرهابيّ داعش قطعوا طريقه نحو كوباني بالتفافهم على المنطقة عبر صرّين، فقرّر العودة للقرية واختبأ في أحد التلال القريبة من القرية وغيّر من هيئته كي لا يتعرّف عليه إرهابيّو التنظيم.
واتّصل ميرخاس بقائد كتيبته “دلسوز” الذي كان يقاتل في جبهة كوباني. واستطاع ميرخاس حينها تزويد قائده بمعلوماتٍ عن تحرّكات التنظيم الإرهابيّ، وأماكن تجمّعه. وكانت نتيجة هذه المعلومات تنفيذ عملياتٍ فدائيّة نوعيّة أدّت إلى مقتل العشرات من الإرهابيّين وتدمير آلياته وعتاده.
استشهاد شقيقه كان الصدمة الأكبر في حياته
في الوقت الذي كان ميرخاس ينشط خلف خطوط داعش ويتجول في المنطقة بدرّاجته الناريّة كان إرهابيّو التنظيم يشدّدون الطوق حول آخر أحياء كوباني. وفي هذه الأثناء تلقى ميرخاس خبر استشهاد شقيقه “خليل” في كوباني أثناء محاولته تأمين الحماية لاثنتين من المقاتلات هناك.
وشكّل استشهاد شقيقه خليل الذي كان رفيقه ومدرّبه، صدمة قاسية له. وطُلبَ منه الخروج من المنطقة إلى مكانٍ آمن. فغادر إلى تركيا عبر منبج واعزاز.
العودة إلى الكفاح المسلح وتحرير قريته
ومع تحرير كوباني من إرهابيّ داعش، عاد ميرخاس للمشاركة في قتال التنظيم الإرهابيّ وتحرير المنطقة، ووصل إلى قريته وفي مخيّلته ذكرياتٌ جميلة من عمرٍ قضاه فيها مع أهله وأصدقاء وأقربائه وهو يتخيل بيته كما تركه. لكنه فوجئ بقريته وكأنها قرية أشباح لا حياة فيها. وصعقه منظر بيته الذي حفر فيه داعش خندقاً، وعمد لتخريب البيت حاله كحال معظم بيوت القرية التي لم تسلم من الخراب والتدمير المتعمّد.
هجومٌ معاكس لداعش وتعرّضه للإصابة
استمرّ ميرخاس مشاركته في حملات التحرير، وشارك في حملة تحرير “تل أبيض” وجسري “قره قوزاق” و “تشرين” وغيرها من المناطق. وفي إحدى جبهات منطقة القادرية بتاريخ 9/7/2016 تعرّضت بعض نقاطهم لهجوم معاكس من تنظيم داعش. وانطلق ميرخاس بسيارةٍ مزوّدة بسلاح “دوشكا” نحو تلة قريبة لدعم النقاط التي تتعرّض للهجوم، ثم ترجّل من السيارة برفقة أحد المقاتلين وتوجه نحو قمّة التلة، لكن المفاجئة كانت أنّ إرهابيّ التنظيم كانوا في الوقت ذاته يصعدون التلة أيضاً لكن من الطرف الآخر فتبادلوا إطلاق النار وأُصيب بثلاث طلقاتٍ في يده اليسرى.
ومكث المقاتل الجريح في مكانه عدّة ساعاتٍ، حيث قام رفاقه بالهجوم على الإرهابييّن وتمكنوا من الوصول إلى نقطةٍ آمنة بعد انسحاب إرهابيّ التنظيم من تلك النقطة.
الإرادة تصنع المستحيل
بعد شهرين من إصابته، ومع انطلاق حملة “غضب الفرات” في مرحلتها الأولى، قرّر “ميرخاس” العودة إلى جبهات القتال رغم إصابته، وعمل كمساعدٍ لقائد أحد الكتائب المتقدّمة من ناحية القادرية باتجاه بلدة “السويديّة الكبيرة” التي تم تحريرها بتاريخ 24/1/2017.
وشهد ميرخاس تحرير هذه القرى ومحاولات داعش الفاشلة لاستعادتها وخاصة عندما هاجم الإرهابيّون بلدة “المحمودلي” وسيطروا على معظم البلدة حينها، حيث كان ميرخاس من بين المدافعين. وتمّ دحر الإرهابييّن من البلدة بعد يومٍ واحدٍ فقط.
كما شارك ميرخاس ضمن معركة تحرير مدينة الطبقة، واستطاعت القوّات المتقدّمة حينها تحرير مطار الطبقة والوصول إلى قرية “الصفصاف”، وتولّى هناك قيادة إحدى الكتائب، وانتقل إلى قرية “عايد كبير” ثم “عايد صغير”، ورفع راية وحدات حماية الشعب فوق دوار العلم بتاريخ 24/4/2017. واستمرّ في المشاركة في عمليات تحرير ريف الطبقة حتّى الوصل لمنطقتي العكيرشي والدلحة.
حي النهضة في الرقة وجهته التالية بعد تحرير الطبقة
بعد أن تمّ تأمين الطبقة وريفها، وتشكيل قوّات ساحة الطبقة، شارك ميرخاس في المرحلة الأخيرة من حملة تحرير الرقة كقائدٍ ميداني في حيّ النهضة بالقرب من الحديقة البيضاء. وقامت قوّات سوريا الديمقراطيّة بتحرير الحي مع كتل الأبنية المجاورة. حيث خاضت هذه القوّات معارك عنيفة مع إرهابيّ التنظيم الذي كان يتبّع أساليب القنص وحرب الأنفاق، وانتهت معركة تحرير الرقة لتبدأ معركة تحرير دير الزور التي شارك ميرخاس في حملات تحريرها.
أثّرت المعارك التي خاضها المقاتل ميرخاس على امتداد مناطق شمال سوريا في شخصيّته بشكلٍ كبير وصقلت فيه الجوانب القياديّة. وبات المقاتل “ميرخاس” بعد ست سنوات من انخراطه ضمن صفوف وحدات حماية الشعب (YPG) قائداً ميدانيّاً كبيراً، ومتمرّساً في الخوض في كافة جبهات القتال.
المركز الإعلاميّ لقوّات سوريا الديمقراطيّة