زيارة جونز و ما تحمله من رسائل
لأول مرة يقوم ضابط كبير كالجنرال روبرت جونس و في موقع نائب القائد العام لقوات التحالف الدولي في سوريا و العراق بزيارة رسمية و علنية إلى مناطق رج آفا و شمال سوريا و يعقد لقاء رسميا مع مجلس الرقة المدني و كذلك يعلن عن جدول زيارته للمناطق المحررة و الغاية من هذه الزيارة.
لا شك أنه كانت هناك زيارات سابقة لضباط و ساسة من التحالف الدولي إلى روج آفا،بعضها تسربت لوسائل الإعلام،لكنها بقيت في إطار الخبر المسرب و لم تمنح شهادة ميلاد تحت أضواء العدسات و أمام أنظار الإعلام و الرأي العام،وإذا ما استثنينا زيارات السيد ماك غورك العلنية فإن هذه الزيارة تكاد تكون فتحا لآفاق جدية و جديدة للعلاقة بين قوات و مجلس سوريا الديمقراطية على حد سواء و بين قوات التحالف الدولي و أطره السياسية و القانونية أو هي بداية النهاية لفترة العلاقة و التعاون الذي كان ياخذ حساسية بعض دول المنطقة بعين الاعتبار و الانتقال إلى نقطة بدء بناء علاقات رسمية و رسم ملامح أفق تعاون رسمي بين المؤسسات السياسية في روج آفا و نظيراتها لدى التحالف الدولي، و هي استكمال لما بدء قبل ما يقارب الثلاث سنوات من قنوات التواصل حينها بين وحدات حماية الشعب و التحالف الدولي، و الزيارات الرسمية لبعض ساسة روج آفا و إدارتها الذاتية إلى بعض العواصم الغربية و لقاءها بقادة تلك الدول.
الزيارة حملت رسائل كثيرة،لعل أبرزها الدفء في الاستقبال غير البروتوكولي،و الذي تخلله قول الجنرال جونز(تحية لكم،هذه هي المرة الرابعة التي أزوركم فيها و أنا سعيد لذلك)،إذاً فالرجل يريد أن يقول للرأي العام أن هذه الزيارة هي نبتة ثلاث زيارات سابقة قد خرجت للسطح و الإشهار، و أن ما يحصل على هذه الأرض هو نتاج علاقة رسمية تتخللها عادة لقاءات للتشاور و تبادل الآراء، أضف إلى ذلك تأكيده بأن كل زيارة تعطيه انطباعا إيجابيا لحجم التغييرات التي يلاحظها في إصلاح البنية التحيتة أو نشاط حركة الحياة في المناطق المحررة و هي دلالة على حجم الإنجاز الذي يقوم به المجلس المدني للرقة.
زيارة الجنرال جونز حملت من بين ما حملته من رسائل، اعترافه الرسمي كممثل للتحالف الدولي، بالمجلس المدني للرقة الذي يتخذ من بلدة عين عيسى مقرا له و رفضه للاعتراف بأي مجلس آخر بشكل جلي و اضح لا لبس فيه و لا يحتمل التأويل،حيث أكد في مؤتمره الصحفي بأن التحالف الدولي المكون من ثلاث و سبعون دولة يعترفون بمجلس الرقة الذي يعمل من عين عيسى و لا نعترف بأي مجلس آخر تأسس خارج سوريا في إشارة واضحة إلى ذاك المجلس التركي الذي تم تأسيسه في اسكنبول و ادعى الإعلام التركي على لسان بعض القادة الأتراك بأنه سيدير الرقة بعد التحرير، وفي هذا السياق يكون التحالف الدولي و عبر نائب قائد قواته العاملة في سوريا و العراق قد وجه صفعة مدوية لوجه تركيا و نزع من يدها آخر ورقة مما يمكنها أن تلعب و تبتز به المجتمع الدولي.
هذه الزيارة غير منفصل مع القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإيقاف البرنامج الأمريكي لتسليح ما كان يسمى بالمعارضة المسلحة،بل هو استكمال لهذا التوجه نحو إجراء مراجعات جدية و حاسمة في الحسابات و الرهانات الدولية و قطع الحبل السري بشكل نهائي عن فم التنظيمات التي كانت تحصل على الأسلحة و الدعم و تضخها في جسد الحركات و التنظيمات الإرهابية كالنصرة و أحرار الشام.
و إذا ما عرفنا أن هذه الزيارة تم ترتيبها بإشراف (مركز التنسيق و العلاقات مع التحالف الدولي) و هي إحدى المكاتب المرتبطة بقيادة قوات سوريا الديمقراطية وظيفتها ترتيب اللقاءت و بناء العلاقات و تنظيم الزيارات من و إلى روج آفا و شمال سوريا،وعلى علاقة مباشرة مع التحالف الدولي بحكم طبيعة عملها ندرك جيدا مدى الخطوات التي تم خطوها في مسيرة هذه العلاقة بين التحالف الدولي وبين نظام الإدارة الذاتية في روج آفا و شمال سوريا،وعليه نستطيع استشعار مدى افحباط الذي تعيشه تركيا الرسمية بعباءة الأخوان المسلمين، و مدى الضيق الذي يعتمل في نوفوسهم و يفقدهم رزانة الدولة و حكمتها.
زيارة الجنرال جونز،هي الأولى رسميا أمام الإعلام،لكن الرجل أكد بأنها لن تكون الأخيرة، و اعتقد أن القادمات من الأيام ستحمل في جعبتها الكثير من المفاجآت و تطورا نوعيا في شكل و عمق تعاطي التحالف الدولي مع الإدارة الذاتية، و ما انفلات عقال الرصانة الدولتية لتركيا في الشهباء و محيط عفرين إلا تعبيرا عن ما تعيشه من فشل في رهاناتها على مستوى سوريا و شعورها بأن احلامها تتهاوى يوما إثر يوما أمام فوهة البندقية المقاومة.
مصطفى بالي