لهذا يكرهون روج أفا
محسن عوض الله
بعد سقوط الخلافة العثمانية أحد أكبر الإمبراطوريات التي حكمت العالم، سعت القوي الغربية لتمزيق الشرق الأوسط وتقسيمه فيما بينها بصورة تجعل منه مجرد بقرة حلوب جاهزة للحلب في أي وقت دون أن يكون لصاحب البقرة أي حق.
وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو سيطرت القوي الغربية على تركة الرجل العثماني المريض، وكان هدفها الأساسي ألا تقوم لهذه الإمبراطورية قائمة، فاصطنعت حدود، وصنعت دول، زرعت فتن، ورعت نظم استبداد.
كل ما ترفضه المبادىء الغربية من قيم وفكر كان يتم تصديره لدول الشرق الأوسط، فالقومية التي لا يعترف بها الغرب تم غرس بذرتها بالشرق الأوسط لتفريق شعوبها وزرع الخلافات والحروب بينهم، وتدخل رجال الدين بلعبة السياسة التي انتفض عليها الغرب تم دعمها ورعايتها بدول المنطقة لتخرج لنا فكرة الإسلام السياسي الذي تطور فيما بعد لفكرة الجهادية والتكفير فأتت على ما تبقى من استقرار دول المنطقة.
كما أن فكرة الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتباهي بها الغرب ويزعم كذباً دعمها، والعمل على نشرها بجميع أنحاء المعمورة، كانت آخر ما فكر الغرب فى نقله للشرق الأوسط بل ربما وقف ضدها فى كثير من الأحيان، وتمتلىء صفحات التاريخ بمواقف الغرب الداعمة لأنظمة الإستبداد والقمع بالشرق الأوسط في مقابل حركات التحرر والحرية.
مواقف الغرب ونظرته الدونية للشرق الأوسط جعلت من الأخير أشبه بسلة قمامة العالم التي مهما امتلأت بخيرات وكنوز ولكنها فى النهاية سلة قمامة، تجمع كل قبيح وسيء، مجرد تجمع لفضلات تأبه النفس البشرية السوية، وترفضها الفطرة الإنسانية.
وبمرور القرون والعقود وتوالي الأنظمة والثورات، انتكست الفطرة البشرية بالشرق الأوسط، وأصبحت الحرية عبء لا نتحمله، ورفاهية لا نستحقها، والإستبداد استقرار يحتاجه الوطن، أصبحت كل محاولة لصناعة تجربة ديقراطية بدعة، يجب مواجهتها خوفاً من انتشارها وتفشيها فى المنطقة، بما يهدد أركان أنظمة الاستبداد الحاكمة ويزلزل عروشها.
أصبحت القاعدة بالشرق الأوسط هو ذلك الحاكم الملهم الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فهو الزعيم الذي يقول للشىء كن فيكون، بيده كل مقاليد السلطة وخزائن الثروة، فهو وأبنائه وقيادات حزبه خالدون في السلطة ما بقيت قلوبهم تنبض، وأجفانهم ترمش.
من ذا الذي يمكنه أن ينافس الزعيم أو يحل مكانه، فهو الدولة والنظام، وحامي حمي البلاد والعباد، القادر على كل شيء، ذو الصلاحيات الإلهية، والكرامات النبوية، فلا ينافسه إلا شيطان، ولا ينتقده إلا كافر!
كانت هذه الصورة التي رسخت بمرور الوقت فى بلاد الشرق الأوسط حول نظم الحكم والسياسة، حتى صارت جزء من بديهيات وأبجديات المنطقة، بصورة جعلت الفنان الكوميدي عادل إمام يهتف ساخراً فى أحد مسرحياته “هو في زعيم بيموت”!
وفى ظل هذا العفن، وتلك القمامة التي أزكمت رائحتها النفوس السوية، انبثق من أرض الشام شعاع أمل وفجر جديد يحمل الخير كل الخير للمنطقة وشعوبها.
فى سوريا الحزينة التي انهكتها الحرب، وتآمر عليها الغرب والشرق، سوريا التي جعلتها القوي الدولية مسرحاً لتجربة أسلحتها الجديدة، وجعلت من شعبها فئران تجارب لفعالية تلك الأسلحة وشراستها في القتل والإبادة.
رغم الدم والنار والقتل والحصار، انبثق شعاع الأمل من شمال سوريا حاملاً معه تجربة ديمقراطية فريدة على الشرق الأوسط الذي أضناه الاستبداد، وأهلك شعوبه القمع والظلم.
في شمال سوريا، ولد مشروع الأمة الديمقراطية كمفهوم جديد على الشرق الأوسط الذي لا يعرف للديمقراطية معني، ولا للأمة تطبيق، في شمال سوريا، ولدت إدارة ذاتية من رحم مشروع فكري في تجربة فريدة على الشرق الأوسط، وجدت حروف المفكر الأسير الباحث عن الحرية عبد الله أوجلان طريقها لأرض الواقع.
فى بداية 2014 تأسست “إدارة ذاتية”، من مكونات شعوب شمال سوريا الأكراد منهم والعرب والسريان والتركمان، مثلت هذه الإدارة، فكرة جديدة فى إدارة الدول ذات العرقيات والمكونات المختلفة بامكانية التعايش معاً دون دم دون حروب، نحن بشر قبل أن نكون مسلمين أو أيزيديين أو سريان.
تشكلت لهذه الإدارة أجهزتها الأمنية والعسكرية، والقضائية، ومؤسساتها الشبيهة بمؤسسات الدول، نجحت فى السيطرة على قرابة ثلث الأراضي السورية فى تجربة فريدة من نوعها.
منذ تأسيسها لم يعرف لتلك الإدارة زعيم ملهم، أو رئيس مقدس، فتبادل السلطة والمشاركة في الحكم هو القانون الذي لا يمكن تجاوزه، والشعب هو من يختار من يمثله، وليس أدل على ذلك من المؤتمر الثالث لحركة المجتمع الديمقراطي الذي انعقد الأيام الماضية وتم خلاله انتخاب رئاسة مشتركة جديدة للهيئة التنفيذية للحركة بدلاً من آلدار خليل وآسيا عبد الله.
وأنهى المؤتمر أعماله بانتخاب هيئة مجلس إداري يضم 63 عضواً ممثلين عن مختلف مناطق شمال سوريا.
كما أن حزب “الاتحاد الديمقراطي” نفسه الذي يعتبر أكبر الأحزاب الكردية المشاركة فى حكم شمال سوريا تتغير قياداته بشكل منتظم، ففي سبتمبر 2017 تم انتخاب قيادة جديدة خلفاً للزعيم الكردي صالح مسلم رغم مكانته الكبيرة فى صفوف الشعب الكردي.
تجربة الديمقراطية في الشمال السوري جديرة بكل احترام، ودعمها واجب على كل شعوب شمال سوريا، فالتجربة الوليدة الجديدة على الشرق الأوسط قد يكون بها أخطاء وهذا شيء طبيعي جداً ولكنها رغم أخطائها تحمل فى بذرتها مشروع قادر على صناعة دولة ديمقراطية حرة لم يشهد الشرق الأوسط مثلها.
على قيادات شمال سوريا أن تدرك أن التجربة الوليدة ستتعرض لحرب شرسة من كل أنظمة القمع والإستبداد بالمنطقة، فكما تخشى إيران وتركيا من أي نفوذ لأكراد سوريا على أحلام الأكراد بالبلدين فإن أنظمة الإستبداد بالشرق الأوسط ستخشى من انتشار حمى حب الديقراطية بين شعوبها حال نجاح تجربة الشمال السوري وهو ما يجعل من إفشال التجربة السورية هدف لكل طواغيت الشرق الأوسط.
يجب عدم التعويل على الغرب فى دعم التجربة الديمقراطية بالشمال السوري، فالغرب كما عاهدناه ليس إلا داعماً للإستبداد والظلم والإرهاب، ولا طريق لنجاح التجربة سوى وحدة الصف والوقوف معاً في وجه مخططات اجهاض الحلم الديمقراطي بسوريا الجديدة.
على جميع مكونات الشمال السوري التحلي بالمسؤولية والقيام بدورها الإنساني قبل القومي والديني، على الجميع أن يدرك حجم التحديات والمؤامرات التي ستتعرض لها الإدارة الذاتية من أجل الوقوف معاً ضد محاولات اجهاضها.
يجب أن يدرك المشاركون فى حكم شمال سوريا أنهم يعيدون كتابة تاريخ الشرق الأوسط وأن نجاح تجربتهم قد يجعل منها بارقة أمل تضيء ظلام الشرق الأوسط، وتنتشله من ركام القمامة التي دنست تاريخه، وشوهت معالمه، وقتلت إنسانية شعوبه.
كونوا على قدر التحدي ، التاريخ يناديكم، وشعوب المنطقة تستغيث بكم فلا تخيبوا أمالنا .. أرجوكم