إدلب.. سيناريو الصفقة والحرب

محسن عوض الله

منذ مطلع “سبتمبر” والعالم يحبس أنفاسه انتظاراً للمعركة الحاسمة والحرب المرتقبة بمدينة إدلب السورية، النظام يحشد قواته، والروس يجهزون طائراتهم، والفرس يحركون ميليشياتهم.

تعددت مواعيد الحرب، واختلفت ساعة الصفر التي سبق وتحدثت تسريبات عن تحديدها عقب قمة طهران مباشرة، مرت القمة بخلافاتها وصراعاتها ولم تندلع الحرب، تارةً أخرى يتحدثون عن العاشر من “سبتمبر” كموعد نهائي لساعة الصفر، مر العاشر والحادي عشر والخامس عشر ولم يحدث شيء.

بدأت التصريحات العنترية تخبو، والتهديدات تتراجع، نبرة الوعيد بالقتل تحولت لنبرة خوف من الدم، الحلول العسكرية التي طالما اعتمدها النظام وميليشياته في مواجهة المعارضة المسلحة أصبحت فجأة ليست حلا ً!

أعتقد أن الموقف التركي ساهم بشكل كبير في تأجيل الحرب وليس إلغاءها، فتفاعل أنقرة مع الحدث ربما كان أقوى مما كنا نتوقع، تعامل أردوغان مع إدلب باعتبارها جزء من الأمن القومي التركي فعلاً كما أعلن خلال قمة طهران.

وضعت أنقرة بأكثر من سيناريو للتعاطي مع الوضع بإدلب، فهي تستعد للمواجهة العسكرية بحشد ميليشياتها من مناطق ما يسمي بدرع الفرات وتوجيههم نحو إدلب للانضمام للجبهة الوطنية للتحرير التي شكلتها مؤخراً ودمجت فيها معظم التنظيمات الإرهابية.

وفى نفس الوقت مازلت المفاوضات جارية بين جبهة النصرة وأنقرة لإقناع الأولي بحل نفسها، والاندماج في الجبهة الوطنية للتحرير بما ينفي عنها شبهة الإرهاب التي تتهمها بها موسكو، وتسعي من أجلها لاحتلال إدلب.

كما بدأ رئيسها “أردوغان” حملة دبلوماسية لمخاطبة الغرب من أجل وقف المعركة عن طريق كتابة مقالات بالصحف الدولية للاستعانة بالغرب والظهور في صورة رجل السلام، فضلاً عن لقاءات وزير خارجيته مع نظراءه الغربيين للتحذير من حمام دماء بإدلب حال اندلاع المعركة.

ويتزامن ذلك كله مع تهديدات تطلقها المعارضة المسلحة المحسوبة على تركيا بإدلب باستعدادهم للمعركة ونيتهم مهاجمة حلب وحماة حال هجوم النظام على المدينة.

الموقف التركي وما تبعه من بيانات رفض وتحذير من عدد من عواصم العالم، فضلاً عن تهديدات المعارضة يبدو أنها أصابت أذنا صاغية لدي الروس والفرس، تغيرت النبرة، واختلفت اللهجة، وتباينت التصريحات فمن “قتلناهم بحلب وسنقتلهم بإدلب” التي أعلنتها المتحدثة باسم الخارجية الروسية قبل قمة طهران إلى “أنهم يستعدون لمقاومة طويلة ويقتلون من يريد المصالحة ” ما يعكس تحولاً في الموقف الروسي وخشية من رد الفعل العكسي للمعارضة حال تنفيذ العملية.

الموقف الإيراني شهد تحولاً هو الآخر، فشتان ما بين إعلان وزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” قبل قمة طهران “بضرورة تطهير إدلب من بقايا الإرهابيين” وإعلانه الجمعة 14 “سبتمبر” في حديث مع صحيفة ألمانية أن بلاده تسعى لمنع وقوع حمام دم بإدلب!

أعتقد أن هذه التحولات في المواقف لا تعكس تغييرا في النوايا تجاه الحرب على إدلب، فالحرب واقعة بشكل أو بآخر، معركة لابد وستحدث، الأمر كله لا يتعدى الاتفاق على سيناريو التنفيذ، ومحاولة الخروج بأقل الخسائر وأكبر المكاسب، خاصة أن المعركة كما يتوقع لها لن تكون سهلة، وربما تطول بصورة تختلف كثيراً عما حدث فى الغوطة وحلب.

تأجيل الحرب ليس تراجعاً بقدر ما يمكن وصفه بالذكاء الإستراتيجي من الدب الروسي الذي يدرك جيداً أن دخول الحرب دون تنسيق مع أنقرة قد يوقعه فى ورطة ربما تدفعه لتقديم تنازلات هو فى غني عنها.

إيران من جانبها تدرك جيداً أن تحرير إدلب وسيطرة النظام عليها ربما ينهي حجة مكافحة الإرهاب التي تدعي القيام بها بسوريا وهو ما قد يرفع من وتيرة الأصوات الدولية والداخلية الداعية لخروجها من الأراضي السورية، لذا لا تمانع من إطالة أمد المعركة وتأجيلها بالاتفاق مع أنقرة خاصة أنها بحاجة لعلاقات جيدة مع تركيا لمواجهة العقوبات الاقتصادية الأمريكية المتوقع أن ترتفع وتيرتها خلال “نوفمبر” القادم.

يجدر القول إن الموقف التركي من إدلب ليس مبعثه وازع قيمي أو أخلاقي، فالسياسة لا تعترف بهذه المثاليات، فبتتبع سياسة أنقرة داخل سوريا نجد أن النظام التركي لا يمانع فى بيع حلفاءه وميليشياته وسبق وتخلي عنهم بحلب والغوطة.

الأمر لا يتعدى سوي البحث عن صفقة مناسبة مربحة لمقايضة إدلب سواء بإخلاء المدينة دون حرب وابعاد المسلحين فى نقطة جديدة بالشمال بما يحفظ أمن القاعدة الروسية باللاذقية أو تسليم مسلحي النصرة للنظام والروس مع الإبقاء على ميليشيا الجبهة الوطنية التابعة لأنقرة بالمدينة واستمرار اعتبار إدلب منطقة للنفوذ التركي ، وفى أسوء الأحوال تريد أنقرة فرض سيادتها على القرى الـ15 بإدلب التي تزعم أن لديها وثائق عثمانية تثبت تبعيتهم للسيادة التركية.

وبالقرب من إدلب، تقف قوات سوريا الديمقراطية تنتظر السيناريو الذي ستنتهي به العملية، والشكل الذي ستؤول إليه الأوضاع عقب نهاية الحرب أو الصفقة.

الأفضل للأكراد ألا يتورطوا فى دخول المعركة حال اندلاعها وعليهم الحذر من فكرة دعم قوات النظام أو التبرع بالوقوف بجانبها فى تحرير إدلب طمعاً فى موقف مشابه من جنود بشار لتحرير عفرين.

يجب أن يدرك الأكراد أن النظام لا يملك من أمر نفسه شيء وجميع الأوراق بسوريا بيد الدب الروسي فهو من يملك الريموت كنترول لإدارة الأزمة واحتلال عفرين تم بموافقة روسية أمريكية وتحريرها لن يكون بغير ذلك.

على الأكراد أن يحتفظوا بمكانهم كطرف ثالث فى معادلة الصراع الدموية بسوريا، فهذا هو المكان الأنسب والأصح، والمستقبل حافل بالكثير من الأخبار السارة لفيدرالية الشمال السوري.

ختاماً.. لننتظر جميعا المشهد الأخير من سيناريو إدلب ذي النهايات المفتوحة، والخيارات المتعددة.. ويبقى السؤال هل تنجح الصفقة التركية فى وقف طبول الحرب الروسية أم يكون لصواريخ الدب الروسي وميليشيات الملالي رأياً آخر؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة ..