كلامٌ في الحبّ بين ترامب والكرد
محسن عوض الله
لا تعرف السياسة لغة الحبّ والإعجاب، بل تحكمها لعبة المصالح والتوازنات، ولا يمكن اعتبار الألفاظ الرومانسيّة في الحب وغيره دلالةً على علاقةٍ جيّدة بين أطراف سياسيّة.
ربّما تصلح القاعدة السابقة في مرحلة ما قبل الرّئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، الذي أحدث انقلاباً في مفاهيم السياسة بصورةٍ أصبحت معها القرارات الرّئاسيّة الأمريكيّة مجرّد تغريدةٍ على موقع تواصل!
ولا يمكن اعتبار ترامب معبّراً بشكلٍ واضح عن توجّهات السّياسة الأمريكيّة في الشرق الأوسط في ضوء تباين قراراته وتبدّلها بين الحين والآخر، فضلاً عن تناقضها مع توجّهات الخارجيّة الأمريكيّة والبنتاجون بصورةٍ بدت معها المؤسّسات الأمريكيّة وكأنّها تعيش في جزرٍ منعزلة.
وفي هذا السياق، جاءت تصريحات الرئيس الأمريّكي التي عبّر فيها عن تقديره وحبّه للشعب الكرديّ والتضحيات التي قدّمها الكرد في مواجهة “داعش”.
وجاءت تصريحات ترامب الأخيرة عن حبّه وتقديره للكرد، في معرض ردّه على سؤال مراسلٍ صحفيّ خلال قمّة الأمم المتّحدة بنيويورك، لتنضمّ لقائمةٍ طويلةٍ من كلام الغزل المعسول الذي يبدو أنّ ترامب يتقنه.
ترامب الذي تلاحقه اتّهامات التحرّش والاغتصاب، أعلن أنّه يحبّ الكرد كثيراً، ووصفهم بالشعب العظيم والمقاتلين الأشدّاء، مشيراً إلى أنّهم قاتلوا مع الأمريكيّين جنباً إلى جنب وانتصروا على “داعش” معاً.
وحول ما يمكن أنْ تقدّمه واشنطن لحلفائها الكرد بالمنطقة في ضوء ما يتعرّضون له من ضغوط، قال ترامب: “نحن ندرس ونناقش هذا الأمر وقد حصلنا على دعمٍ كبير من الكرد”!
الغزل الترامبي للكرد ليس بجديد، فقد سبق للرّئيس الأمريكيّ أنْ كرّر نفس هذا الكلام في مؤتمرٍ صحفيّ يوليو الماضي خلال فعاليّات مؤتمر دول التحالف ضدّ “داعش” بالعاصمة البلجيكيّة بروكسل، حيث وصف الكرد أيضاً بالشعب العظيم والمقاتلين الأشدّاء في الحرب، والحلفاء الأذكياء!
وبالرجوع بالذاكرة للوراء أكثر، نجد أنّ ترامب قال نفس الكلام أو شيئاً يشبهه، عند بداية تولّيه الرّئاسة، وذلك في فيديو احتفى به النشطاء الكرد بكثافة.
ويبقى السؤال؛ هل أضاف ترامب جديداً بحديثه عن الكرد؟ ما المعلومة الجديدة التي قدّمها الرّئيس الأمريكيّ للعالم بقوله إنّ الكرد مقاتلون أشدّاء؟ فهذه المعلومة يعرفها كلّ من قرأ التّاريخ الكرديّ، أو تتبّع الصّراع بالشرق الأوسط، فالكرد كما تتحدّث عنهم كتب المستشرقين من أجلد المقاتلين وأشدّهم بأساً، ويكفيهم أنّهم من وقفوا في وجه طوفان الإرهاب وأسقطوا دولة الشرّ المسمّاة زوراً الدولة الإسلاميّة.
أعتقد أنّ حديث ترامب عن الكرد وإنْ كان في مجمله جيّداً، إلّا أنّه بحاجةٍ لمزيدٍ من التطبيق بحيث يجد طريقه لأرض الواقع، فليس من المقبول أن تكون هذه نظرة الرّئيس الأمريكيّ للكرد ثمّ يتركهم يواجهون وحدهم الاحتلال التركيّ وميليشيّاته الإرهابيّة في عفرين.
أدرك أنّ الاحتفاء الكرديّ بكلمات ترامب ربّما يكون بحثاً عن نقطة أمان، وبارقة أملٍ في مستقبل سوريّا الغامض الذي يعجّ بتقلّباتٍ لا أحد يعرف أين تنتهي، وصفقاتٍ ومقايضاتٍ تباع فيها الأرض السّوريّة بين القوى الإقليميّة كما يباع العبيد بأسواق الرقيق.
الأزمة في القضيّة الكرديّة هي إحساس الكرد بالضعف أو بعدم الأمن والخوف، وذلك نتاج تاريخٍ مليءٍ بالخيانة والغدر من القوى الكبرى والإقليميّة لأحلام الشعب الكرديّ، وحقّه في تقرير مصيره والتعامل بلغته وثقافته، وهو أمرٌ طالما خذلتهم فيه القوى الكبرى.
أعتقد أنّ الوقت قد اختلف، والزمن لن يعود للوراء، ولا مجال لمذابح كرديّة جديدةٍ، ولا عودة لدولة الصوت الواحد والقوميّة الواحدة.
ختامًا..
بعيداً عن غزل ترامب وكلماته الرقيقة، يجب أن يدرك الكرد أنّ المؤسّسات الأمريكيّة تدرك جيداً أن لا حليف لها سوى الكرد، وأنّ التخلّي عنهم سيدفع واشنطن لخسارة كلّ مصالحها بالمنطقة بعد أنْ خرجت خالية الوفاض من العراق وتركتها لإيران تفعل فيها ما تشاء.
الكرد هم الرهان الفائز بالنسبة لواشنطن، ولا مجال للتخلّي عنهم حماية للمصالح الأمريكيّة بالشرق الأوسط، وعلى الكرد أنْ يُدركوا ذلك ويعملوا على إجبار واشنطن على حمايتهم وتقديم الدعم السياسيّ قبل العسكريّ لهم نظير ما قدّموه من خدماتٍ للعم سام وفق اعترافات الرّئيس الأمريكيّ نفسه.