“لا ينبغي للظّلامِ أن يقهرَ عزيمتي ويُفقدني الأمل”

المَولد والنّشأة:

 الإسم: عزّ الدِّين صبحي حمَّادة والاسمُ الحركي قلبُ الأسد” من مواليد عام 1979 وهو من أبناءِ حيِّ الرميلة” شرق الرَّقة ينحدرُ عزُّ الدِّين وعائِلتهُ من قرية الدروبية” بالقُربِ من مدينةِ عين عيسى” ويعملُ والدهُ بتربية الأغنام وتِجارتِها، لدىَ عزِّالدّين شقيقانِ أخرانِ يكبُرانِهِ عُمراً،.. كانت العائِلةُ قديماً تتنقلُ بحثاً عن المرعى لأغنامهم وخاصّةً في فصلِ الرَّبيع، سافرَ والدهُ إلى السُّعودية ومكثَ فيهِا لسبعةِ سنوات، وعملَ هُناك في منطقة حائِل” بتجارة الأغنامِ أيضاً…”

عادَ والدهُ إلى الرَّقة واستمرَّ بعملهِ في تجارةِ الأغنام وكانَ لديه أربعُ مِئةِ رأسٍ من الأغنام والدهُ أسماهُ عزّالدّين” بعد رؤيةٍ وردتهُ في أحدِ الأيَّام، كانَ عمرُ عزُّ الدّين سبعَ سنوات حينَ دخلَ مجالَ العملِ وبدأ يُساعِدُ والده، فكانَ يعودُ من المدرسة ويقومُ برعي الأغنام لدى والده، وحينَ بلغَ عُمرهُ عشرُ سنوات تاجرَ عزُّ الدِّين بالأغنامِ لنفسه وكانَ قد بدأ يُتقنُ التِّجارة ووالدهُ بدأ يعتمدُ عليه”

لم يكمل عزُّ الدِّين دراسته فتركَ المدرسة وهو في الصّفِّ السّادس الابتدائي بعدَ أن درسَ في مدرسة البُحتري” والدهُ أرادَ من عزِّ الدّين أن يُكملَ دراسته ولكنّهُ رفضَ ذلك وأصرَّ على تركِ المدرسة، بعدها تفرّغَ للعمِلِ بتجارةِ الأغنام مع والده في سوقِ الأغنامِ في الرَّقة حتّىَ باتَ لديهِ زبائِنهُ في تجارتهِ الخّاصّة وهو بعمرٍ فتِّي والدهُ كانَ يراقبهُ ويُسعدُ لذكاءِ ولده في التّجارة وكانَ يُساعِدهُ دوماً..حينَ بلغَ عزّ الدّين الخامسةَ عشرَ من عمره تزوّجَ من ابنةِ عمِّه، واستمرّ بعملهِ مع والده وبقي على هذهِ الحال حتّى التحق بخدمتهِ الإلزامية في الجّيش، فأقامَ دورةً عسكرية في معربا” وبعدها فُرِزَ لمنطقةِ أبو رمّانة” وأكملَ في دمشق بقيّةَ خدمتهِ العسكريَّة.

وبعدَ أن عادَ عزُّ الدّين إلى الرَّقة حينَ أنهى خدمتهُ في الجّيش قالَ لهُ والده: لقد باتَ لكَ أطفال وحانَ الوقت لكي تكونَ مُستقِلاً في منزلٍ خاصٍ بِك”

الفوضىَ تدخلُ المدينة:

في هذه الأثناء كانَ عزُّ الدّين قد رُزقَ بطفلين، وبات اسمهُ أبو مشعل” حينها أعطاهُ والده مبلغاً مادِّياً وطلبَ مِنهُ أن يَشُقَّ طريقهُ بنفسه، فانتقل أبو مشعل” للسّكنِ في منطقة الفلّوجة شرق الرّقة بعدَ أن استأجرَ منزلاً في تلكَ المنطقة بعدها بدأ يعملُ بتجارةِ الأغنام وكانَ يذهبُ يومياً إلى سوق الأغنامِ في الرَّقة وشيئاً فشيئاً بدأت حالهُ تتحسّنُ بسببِ إتقانِه للتِّجارة حيثُ بدأ يُسافرُ إلى حماة، والقامشلي ويشتري الأغنامَ من هُناك ويعودُ لبيعها في الرَّقة استمرَّ على هذهِ الحال لسنوات إلى حينِ وصولِ الجّيشِ الحُر إلى المدينة وفرضِ سيطرتِهِ عليها.

حينها حوصِر النّظامُ في الفرقةِ السّابعةَ عشر شمالَ الرَّقة، وفي لواءِ عينِ عيسى” كانَ في ذلك الوقت أبو مشعل قد انتقل وسكنَ بأحدِ المنازل في منطقة الرميلة شاهدَ أبو مشعل الفوضى الّتي استقرّت بمدينته وحاولَ جاهداً أن يمنحَ نفسهُ وعائِلتهُ الاستقرارَ والأمان، فبقي يزاولُ مهنتهُ دونَ توقُف وكانَ يوصي أطفالهُ دوماً بعدمِ الخروجِ من المنزل خشيةَ أن يتعرّضوا لمكروهٍ ما نتيجةً للفلتانِ الأمني الَّذي سادَ الرَّقة في تلكَ الفترة.

كانَ العديدُ من جيرانِهِ مُنخرطين في تشكيلاتِ الجّيشِ الحُر وطلبوا منهُ مِراراً أن ينتسبَ معهم ولكنّهُ رفضَ ذلكَ وأصرَّ على أن تكونَ حياتَهُ هادئِةً ومُطمئِنّة…مكثَ أبو مشعل على هذهِ الحال طيلةَ الفترة الَّتي تواجدَ فيها الجّيشُ الحُر في منطقته وحينَ بدأت داعش تتوسعُ وتنتشرُ داخل الرَّقة كانَ أبو مشعل يُراقبُ الوضعَ بهدوء إلى أن حدثت الاشتباكاتُ بينَ عناصِرِ داعش وعناصِرِ الجّيشِ الحُر فحوصرَ الأخيرُ لاحقاً في الحيِّ الَّذي يقطنهُ أبو مشعل..واعتلىَ بعضُ عناصِر الجّيشِ الحُر المساجِد وبدأوا بطلبِ المُساعدةِ من الأهالي..كانوا يقولون من على المنابر: أينَ أهلُ النّخوة؟ أينَ أهلُنا”

حينها قامَ أبو مشعل ومعهُ ثلاثينَ شاَّبّاً من أبناء الحي بقتالِ داعش، غطّى أبو مشعل رأسهُ بشماخٍ أبيض وبدأَ يُقاتلُ داعش مع أبناءِ مدينته، استمرَّ بالمقاومة لستّةِ أيّام سيطرَ بعدها داعش على الرَّقة بشكلٍ كامل فالتزمَ أبو مشعل منزله ولم يُغادره لفترة إسبوع حينها اقتحمَ عناصرُ داعش الحي بحثاً عمّن كان يُقاتلهم فلم يتعرّفَ أحدٌ على أبو مشعل واستطاعَ أن ينجوا من قبضةِ عناصِر داعش حينها..”

مقاومةُ داعش في المدينة:

يقولُ أبو مشعل عن تلكَ الأيَّام: خلال معركتي مع عناصِرِ داعش أنذاك تمكنتُ من إصابةِ اثنين منهم وكانَ عددُ مقاتلي الجّيشِ الحُر أنذاك ما يُقاربُ الأربعُمِئةِ مُقاتل ولم يبقى منهم سِوى سبعينَ مُقاتلاً فقط، كانت أعدادُ عناصِر داعش كبيرةً جِداً وبعدَ أن استتبَ الأمر لداعش صاحوا في المساجِد: كلُّ من قاتلنا يأتي إلى المسجد للتوبة وعليهِ أمانُ الله” حينها لم أذهب وتمكنتُ من إخفاءِ ما قُمتُ به حتَّى اندحر داعش من الرَّقة”

من بعد ذلك رحلَ أبو مِشعل إلى مدينةِ “البوكمال في دير الزّور وعملَ هُناكَ بتجارةِ الأغنام وتركَ زوجتهُ وعائِلتهُ في الرّقة، كانَ رحيلهُ هذا خشيةَ أن يتعرّفَ عليهِ عناصرُ داعش بعدَ أن قبضوا على أحدِ جيرانِهِ ممّن يعلمُ بخبرِ أبو مشعل..لاحقاً خرجَ جارهُ من السِّجن ولم يُخبر عناصِرَ داعش بأيِّ شيء عن جارهِ أبو مشعل فعادَ أبو مشعل إلى الرَّقة، وفي أحدِ أيَّامهِ في الرَّقة اقتحمَ عناصرُ داعش منزله، وقاموا بتحذيرهِ لكي لا يُتاجرُ بالأغنام وقالوا لهُ: لقد منعنا تجارةَ الأغنام” فقامَ أحدهم وهو مصريُّ الجّنسيّة، وأخذَ خروفاً من أغنامِ أبو مشعل ظُلماً وعِدواناً.

 بعدها بمُدَّة بدأ أبو مشعل يُسافرُ إلى القامشلي، ويعملُ في تِجارة الأغنام هُناك بعد أن كانَ يُعطي عناصرَ داعش مبالغاً مالياً كأتاوةٍ على مُمارسةِ التّجارة، وهُناك في القامشلي تعرَّفَ أبو مشعل على وحداتِ حمايةِ الشّعب وشاهدَ عالماً مُختلفاً، شاهدَ الحياةَ بأسمى معانيها والَّتي افتقدتها مدينتهُ كثيراً..

تمنَّى أبو مشعل أن يكونَ هوَ وعائِلتهُ قادرينَ على الخروج والسّكن في القامشلي ولكنَّ هذه كانت أُمنيةً فقط فالخروجُ من سطوةِ داعش خطيرٌ جِداً ولا تُحمدُ نتائِجهُ إن شعرَ بهم عناصِرُ داعش، فعادَ إلى الرَّقة وروى لأهله ما شاهدهُ هُناك، مرَّت الأيّامُ والسّنوات حتَّى جاءَ أحدُ الأيَّام عناصرُ داعش وحاولوا اقتحامَ منزلِ أبو مشعل” حيثُ قالوا له: نريدُ المرأة الّتي كانت على سطحِ المنزل لأنّها لا ترتدي لباساً شرعياً” حينها أجابهم أبو مشعل وبسرعةِ بديهته قالَ لهم: إنَّها والدتي وهي كبيرةٌ في السّن وتُعاني من مرضِ الزّهايمر وأنا أبقى في المنزلِ دائِماً حتَّى أُراقِبُها كي لا تخرجَ إلى الشّارع” فاستطاعَ بحنكتهِ أن يُنقذَ نفسهُ وزوجتهُ من عناصِرِ داعش”

كانَ أشقَّاءُ زوجةِ أبو مشعل  يعملون في صالةٍ للإنترنت وعن طريقهم علمَ أبو مشعل بتشكيلِ قوَّاتِ سوريا الدّيمُقراطية ولاحقاً بدأت هذهِ القوَّات تتقدّمُ وتُحرّرُ المناطقَ واحدةً تِلوَ الأُخرى حينها بدأ أبو مِشعل يُحاولُ أن يُنسِّقَ مع تلكَ القوَّات ليخرجَ وعائِلتهُ إليها لكنّه لم يستطع الوصولَ لشيء بسببِ قبضةِ داعش المُحكمة، وفي منتصفِ شهرِ رمضان” وبعد تقدّمِ قوَّاتِ سوريا الدّيمُقراطية قامَ عناصرُ داعش بتهجيرِ أكرادِ الرَّقة إلى خارجِ مدينتهم ووضعَ عناصرُ داعش يدهم على مُمتلكاتِ الكُرد في الرَّقة..”

تهجيرُ الكُرد من الرَّقة مصيبةٌ أثقلتهُ بالهموم:

كانَ لأبو مشعل جارانِ كُرديَّان وبموجبِ قرارِ داعش فهُما سيُرحَّلانِ أيضاً وعن ذلك الموقف يقولُ أبو مشعل: كنتُ أسيرُ في أحدِ أسواقِ الرَّقة وأحملُ بيدي بعضاً من اللّبن لأبيعهُ في المدينة وحينَ سمعتُ عناصِر داعش يصرخُونَ بمُكبّراتِ الصّوت ويعلنونَ طردَ أكرادِ الرَّقة من منازلهم رميتُ اللّبنَ على الأرض وركضتُ نحوَ المنزل ودخلتُ إلى منزل جيراني هُناك، كانت الدموع سيّدةَ الموقف جارَايَ هُما منزلُ أبو محمّد ومنزلُ أبو عبدو أنا وهُما بتنا كعائِلةٍ واحدة لم نسمحَ للكراهيةِ أبداً أن تدخلَ بيننا أولادي وأولادهم أصدقاءٌ مُقرّبين ومن يراهم يعتقدُ أنّهما أشقاءٌ وليسوا أصدقاء، عدا عن سنواتِ الجّيرة الَّتي بيننا، وحينَ كنتُ أتخفىَ من داعش في بدايةِ سيطرتهِ كنتُ أتخفّى عندَ أبو مُحمّد وأبو عبدو ولهما فضلٌ كبير عليَّ وعائِلتي”

بكىَ أبو مشعل كثيراً حينها فقالت لهُ جارتهُ زوجةُ أبو عبدو: أُسكت إن رأووكَ سيقتلونك” ومن ثُمَّ قامَ أبو مشعل بإعطائِهم بعضَ النّقود قبلَ أن ترحلَ العائِلة وتستقرَّ في منطقة القامشلي، أمَّ عائِلةُ جارهِ أبو محمّد فقد قالَ لهُ حينها أبو محمّد: أنا سأبيعُ منزلي وكلَّ شيء وسأُهاجرُ إلى تُركيا قالَ كلماتهِ هذه واحتضنَ أبو مشعل بينَ ذراعيه وبكيا سوياً”

بعدَ أن غادرَ جيرانهُ الرَّقة أصدرَ عناصرُ داعش قراراً يُفضي باستيلائِهم على بيوتِ الأكرادِ ومُمتلكاتِهم كُلِّها في الرَّقة، حينها قامَ أبو مشعل بالتّواصُلِ مع جيرانِه وأخبرهم أنَّهُ سيُزَوِّرُ ورقةً ثُثبتُ بيعهم منازلهم لأبو مشعل قبل أن يتركوا الرَّقة وبهذهِ الطّريقة حافظَ أبو مشعل على بيوتِ جيرانِهِ من النّهب والتّخريب”

ضاقت الحالَ كثيراً على أبو مشعل وتمنّى أن يكونَ لهُ جناحان ويُغادرَ بِهُما أرضَ الرَّقة مع أحبّائِه ولكنَّه لم يتمكّن من الخروجِ أبداً وبعدها وصلهُ نبأٌ عن اقترابِ قوَّاتِ سوريا الدِّيمُقراطية من الرَّقة وسمعَ بالكثير من أبناءِ العشائِر ممّن تطَوّعوا للقِتال مع قوّاتِ سوريا الديمُقراطية لتحريرِ أهلهم في الرَّقة حينها أدركَ أبو مشعل أنَّ الوقت قد حان ليبدأ مسيرتهُ في النّضالِ ضدَّ عناصِرِ داعش وإرهابَهم الّذي قلبَ حياتهُ جحيماً”

كانت مدينةُ منبج قد تحرَّرت من داعش وقسد تقتربُ بسرعةٍ من الرَّقة، حينها أرسلَ زوجتهُ وأطفالهُ إلى قريةِ الدروبية” الَّتي كانت قد تحرَّرت في وقتٍ سابق وعن هذا الفصل يروي أبو مشعل صفحةً مؤلمة من معاناته فيقول: عن طريق أحد المُهرِّبين قمتُ بإرسالِ عائِلتي إلى مناطقِ قوَّاتِ سوريا الديمُقراطية تمَّ كلُّ شيءٍ بسريةٍ تامّة وودعتُ عائِلتي وأركبتهم في السيّارة وكانَ معهم عشرونَ شخصاً…

وبعد يومينِ تقريباً لم يصلني خبرٌ من عائِلتي فبدأتُ أسألُ بالخفية هُنا وهناك، وأخيراً علمتُ أنَّ مع عائِلتي خرجَ اثنانِ من عناصِر داعش فبدأت مخاوفي تكبر وخشيتُ أن يكونَ هذان الدّاعشيان قد سبّبا مكروهاً لعائِلتي فأصابني شيءٌ من الجنون كانَ من المفترضِ أن تعبرَ عائِلتي من منطقة الكالطة” شمالَ الرَّقة فهي طريقُ التّهريب الأكثرِ أماناً زادت الأيَّام دونَ أن أعلمَ ما حلَّ بعائِلتي ومن معهم وأُصابني ندمٌ كبير لأنّني لم أُرافقهم خصوصاً بعد أن توصلتُ لخبرٍ يفيدُ بانفجارِ لغمٍ أرضي بالسيّارة الّتي كانَ يستقلُّها أفرادُ عائِلتي..

وبعدَ عشرةِ أيَّام لم أُطِق صبراً فركبتُ دراجةً ناريَّة وذهبتُ صوبَ منطقة الكالطة علّني أجدُ شيئاً يُريحُ خاطِري، فانطلقتُ مع ساعاتِ الفجر الأولى حتّى وصلتُ إلى منزلٍ قريبِ من المناطقِ المُحرّرة فدخلتُ إليه ورأيتُ شخصاً داعشياً لوحده في داخل ذاك البيت حينها أرادَ أن يخدعني فقال لي: أهلاً بك هلا تريدُ الخروجَ إلى مناطق قوَّاتِ سوريا الديمُقراطية فقلتُ له: لا لستُ أنوي الخروج، فقال لي: إجلس هُنا سأعودُ في الحال” فراقبتهُ حتّى ابتعدَ عن المنزل فركبتُ درّاجتي وابتعدتُ مسرعاً عن المكان حتَّى وصلتُ لمربي أغنامٍ قريبٍ من تلكَ المنطقة حينَ شاهدته عرفني وعرفتُ الرّجل من خلالِ عملي في تجارةِ الأغنام فأخبرتهُ بقصّتي وفقداني لعائِلتي وتعهّدَ هو بإخفائي عنده”

وبعدَ يومينِ تقريباً طلبتُ منهُ المُساعدة للخروجِ إلى المناطق المُحرّرة فقام بمُساعدتي ودلّني على الطّريق..ومشيتُ في ذاكَ الطّريق لمسافةِ عشرينَ كيلو مترٍ تقريباً ورأيتُ الرّايات الصّفراء تلوحُ في الأفق بكيتُ كثيراً حينها فتقدّمَ إلي مُقاتلوا قوَّاتِ سوريا الدّيمُقراطية وحاولوا تهدئتي وسألوني عن خبري فأخبرتهم بفقدان عائِلتي وأعطيتهم المواصفات لرحلة خروجِهم فأبلغوني بوصول دفعةٍ من المدنيين آمنين إلى هذا المكان وبعدها انتقلوا إلى المخيمات..حينها عادَ الأملُ لقلبي من جديد فتوجّهتُ إلى مخيمِ عينِ عيسى وهُناكَ تطوّعتُ كمقاتلٍ ضمنَ قوَّاتِ سوريا الديمُقراطية ولبستُ البزّةَ العسكرية وتابعتُ البحثَ عن عائِلتي في المخيم وفي الوقتِ ذاتِه كنتُ أُخرجُ عناصرَ داعش المُتخفّينَ ضمن أهالي المُخيم واستطعتُ التّعرّفَ على العشراتِ منهم هُناك..”

الانضمامُ إلى قوَّاتِ سوريا الدّيمُقراطية:

وذاتَ يوم كنتُ أتجولُ في مدينةِ عين عيسى فرأيتُ شخصاً من إدلب” كانَ يعرفُ المُهرِّب الَّذي رافق عائِلتي فسألتهُ عنه فاتّصلَ به وأخبرهُ أنَّ زوجتي وأطفالي بخيرٍ وأمان وهُم في مدينةِ منبج” عندَ أخوالِهم” حينها طرتُ فرحاً فتوجّهتُ إلى منبج ” والتقيتُ بعائِلتي وعانقتُ أطفالي ومكثتُ لديهم لثلاثةِ أيَّام بعدها استقرّت مشاعري وارتاح خاطري فقرّرتُ العودةَ إلى عين عيسى” والمُشاركة بمعاركِ التَّحرير قبل أن يفوتني شيء فعدتُ قرير العين إلى رِفاقي في عين عيسى” حينها التحقتُ برفاقي هُناك وانطلقتُ معهم نحوَ منطقة كبش” شمالَ الرَّقة قاتلتُ هُناك وكانَ قائدُنا العسكري القائِد دلسوس” قاتلتُ بمنطقة العجاج أيضاً” ورابطتُ مع رِفاقي على محيطِ قرية الدروبية”

في تلكَ الفترة نجحَ أبي أيضاً ومن تبقّى من أقربائِنا في الرَّقة بالخروجِ إلى قريتنا الدروبية” وكانوا جميعهم بأمان بقيتُ حينها على نقاطِ الجبهة فيما بعدَ قريةِ كُبش” لعدّةِ أشهر وكنتُ لا أتركُ الجّبهة أبداً ودوماً أبقى في الخطوطِ الأُولى..”

كانَ أبو مشعل قائداً لمجموعةٍ من رِفاقهِ على خطِّ الجّبهةِ الأوَّل قاتلَ في قريةِ رويّان” وتمكّنَ من تحييدِ ثلاثةٍ من عناصِر داعش بالقُرب من ذاك المكان وتمكّنَ ورِفاقهُ من تحرير المنطقة دونَ أن يُصب أيٌّ مِنهم بأذىً” كلُّ همِّهِ كانَ أن يرى مدينةَ الرَّقة مُحرّرةً من الإرهاب لذلكَ الهدف كانَ مستعداً ليُفني نفسه..في معاركِ كُبش” ورويَّان” يقولُ أبو مشعل: كانَ عناصرُ داعش يَعتمدونَ الحيلة، ومُقسّمين إلى مجموعاتٍ صغيرة وكانوا يستغلونَ المناخ والعواصف الغبارية ليهاجِموا نِقاطنا لكنّنا كنَّا نُقاومُهم بقوّة ونردُّهم على أعقابِهم، وفي أحدِ المواقف الَّذي لن يغيب عن ذاكرتي أبداً..في منطقة رويّان شمال الرَّقة، وقبلَ أن نقتحمَ المكان كانَ هُناكَ أحدُ عناصِر داعش يقفُ على رأسِ تلّة ويُعيقُ تقدّمَنا فقمتُ بالزّحفِ نحوهُ دونَ أن يشعر وأشتبكتُ معه ونجحتُ بإصابته فتمكّنَ رِفاقي من التّقدم”

التحريرُ واقعٌ بعدَ المستحيل:

شاركَ أبو مشعل في تحرير مزرعةِ الأنصار” من براثِنِ داعش وحرَّرَ ورِفاقهُ أهلها من الإرهاب وفيها أحبطَ أبو مشعل محاولةَ تسلُّلٍ لأحدِ عناصِر داعش حينَ كانَ على حاجزٍ بمدخلِ القرية..ومن ثُمَّ تقدّمَ أبو مشعل ورِفاقه بسرعةٍ كبيرة وحرّروا عدداً من القرية بينَ مزرعةِ الأنصار” ومنطقة السّلحبيات غربيَّ مدينةِ الرَّقة وحينَ وصلَ أبو مشعل إلى منطقة السّلحبية اشتبكَ ورِفاقهُ مع عناصِر داعش كانَ قائِدهُ العسكري أنذاك يحملُ اسمَ الرَّفيق “عامودا” وبعدَ تحرير السّلحبيات توجَّهَ أبو مشعل مع عددٍ من رِفاقهِ للقِتال في مزرعةِ تشرين” في ريف الرَّقة ونجحوا بتحريرِ القرية بعدَ أن قاموا بتمشيطها ومن ثُمَّ بقي أبو مشعل في مزرعةِ تشرين على أحدِ الحواجزِ لقوَّاتِ سوريا الدّيمُقراطية وهُناكَ تقدّمَ إليهِ رجلٌ من الرَّقة وقالَ له: لديَّ خمسونَ شابّاً يريدونَ الانضمامَ لقوَّاتِ سوريا الدِّيمُقراطية”

حينها ساعدهم أبو مشعل وقدّمَ لهم التّسهيلات اللّازمة بعد أن شرحَ لهم أهدافَ قوَّات سوريا الدِّيمُقراطية، فالتحقَ جميعهم بدورةٍ عسكريةٍ وفكرية كانَ أغلبُ هؤلاءِ الشّباب من منطقتي السلحبيات” ومزرعةِ تشرين، وأثناءَ تواجدهِ في تشرين أيضاً” لاحظَ أبو مشعل شابّاً يقتربُ من الحاجزِ العسكري الَّذي يقفُ عنده وتكرّرَت مشاهدُ اقترابِ هذا الشّابِّ يومياً كانَ يدّعي أنّهُ مُصابٌ بالجُّنون حينها قامَ أبو مشعل بمُراقبته فتبينَ أنَّ الشّاب هو أحدُ عناصِر داعش” وبعدَ أن راقبهُ جيداً اكتشفَ أبو مشعل ورِفاقهُ عشرةَ عناصرٍ لداعش مختبئين في أحد الأوكار وقبضوا عليهم جميعاً بعد أن راقبوا ذاكَ الشّاب الّذي يدّعي الجُنون”

حينَ أودعَ أبو مشعل عناصِرَ داعش في السّجن القريبِ من نُقطته دخل معهم أيضاً إلى السِّجن وتظاهرَ أنَّهُ أحدَ عناصِر داعش الأسرى أيضاً وبعد ثلاثةِ أيَّام استطاعَ أن يأخذَ مِنهم معلوماتٍ مُهمّة عن أنفاقِ داعش وعتادِهِ وتحرّكاتِه بعد أن نجحَ بخداعِ عناصِر داعش الأسرى”

بعدها تقدّمَ أبو مشعل ورِفاقهُ إلى منطقةِ الجّزرة” وهيَ أولىَ  أحياءِ مدينةِ الرَّقة من الجِّهةِ الغربية وكانَ أبو مشعل أولُ من يدخلَ منطقة الجّزرة” مع رفيقيه الصّاروخ” ومجد الشّبلي، وهُناكَ خاضَ ورِفاقهُ معركةً عنيفةَ انتهت بتحرير الحي  من عناصِر داعش الَّذين انحسروا نحوَ الدّاخل ومن ثُمَّ انتقلَ أبو مشعل ورِفاقهُ إلى منطقة السباهية” وقامَ مع رِفاقهِ بتثبيتِ عددٍ من النِّقاطِ هُناك..ونتيجةً لحنكتهِ في المعارك تمَّ تعيينُ أبو مشعل مشرفاً مع القيادةِ العسكريّة على إدارةِ الجّبهة” كانَ معهُ في إدارةِ المعارك رفيقهُ عكيد” حينها نضّمَ أبو مشعل مجموعةً من ثلاثةَ عشرَ رفيقاً تحتَ قيادته وكانت هذهِ المجموعةَ لها مهمّةٌ واحدة، وهي التّقدّم لمؤازرةِ أيِّ نُقطة تتعرّضُ للهجومِ من قِبلِ عناصر داعش”

ولاحقاً نفّذت هذه المجموعة ثلاثَ عملياتٍ لمؤازرةِ رِفاقهم الّذينَ يحتاجونَ إلى الدّعم وفي أخر عملية كانَ رِفاقُ أبو مشعل مُحاصرينَ في حيِّ الطّيّار” حينها هبَّ أبو مشعل ورِفاقهُ الثّلاثةَ عَشر لنجدةِ رِفاقِهم المُحاصرين وعن تلكَ الحادثِة يقولُ أبو مشعل: كانَ عناصرُ داعش مُجتمعينَ في مستودعٍ مهجور ويرسلونَ في وقتٍ مُتقطّع اثنانِ من عناصرهم لمُهاجمةِ رِفاقِنا المُحاصرين، حينها دخلتُ ومجموعةُ المؤازرةِ من رِفاقي لنجدةِ رِفاقِنا العالقينَ هُناك تسلّلتُ مع رفاقي نحوَ مستودعِ عناصِر داعش واشتبكنا معهم بقوّةَ.

داعش يتقهقرُ ويجرُّ أذياله:

..عنصرُ المفاجأة كانَ لهُ دورٌ كبير فقدَ عناصرُ داعش السّيطرة وهربوا جميعاً داخلَ ذاكَ المستودع وفككنا الحِصارَ عن رِفاقِنا بعدها قامَ طيرانُ التّحالف الدّولي بقصفِ ذاكَ المستودع فخرَّ عناصرُ داعش جميعاً بينَ قتيلٍ وجريح وعدتُ مع رِفاقي في مجموعةِ المؤازرة إلى مبنى القيادة بعدَ أن تفقّدْت حالَ رِفاقي الَّذينَ كانوا مُحاصرين”

بعدها بأيّام انتقلَ أبو مشعل إلى حيِّ نزلةِ شحاذة” حيثُ كانت تدورُ هُناكَ أعتى المعارك مع عناصِرِ داعش كانت قوَّات الطّبقة تُقاتلُ عناصِرَ داعش بعزيمةٍ قويّة وشاركَ أبو مشعل في القِتالِ ضدَّ داعش أيضاً مع مجموعتِه المُقاتِلة ومن ثُمَّ عادَ لمركزِ القيادة، وحينها سمعَ بدفعةٍ كبيرة من أهالي الرَّقة مجتمعينَ عند مشفى المشهداني” وسط الرّقة وعالقينَ بين نيرانِ داعش فانطلقَ مع مجموعةٍ من رِفاقهِ إلى هُناك، وعن هذا الموقف يقولُ أبو مشعل:  كانَ أحدُ رِفاقي ويُدعى أبو النّور” قد وصلَ إلى الأهالي العالقين قبل أن أصلَ ورِفاقي فقمنا بمراقبةِ الأجواءِ جيداً لتأمينِ الأهالي..كانَ الوقتُ ظُهراً حين سارَ أبو النُّور ومعه قافلةُ المدنيين الّذينَ يتجاوزُ عددهم المِئتي شخص من أهالي الرَّقة..

حينها كانَ هُناكَ ثلاثةُ عناصرٍ لداعش سلّموا أنفسهم إلينا أيضاً، فرافقتُ ومعي رِفاقي الأهالي إلى منطقةٍ آمنة ومن ثُمَّ عادَ رَفيقي أبو النّور لجلبِ دفعةٍ أُخرى من الأهالي هُناك فاستُشهِدَ نتيجةَ لغمٍ أرضي انفجرَ بأحدِ الأهالي..فدخلنا بعربةٍ مُصفّحة وجلبنا جثمانَ الشّهيد ونقلنا المُصابين لم يكن جسدُ أبو النّور مصابٌ أبداً نظرَ إليَّ وقالَ أنا سعيد فقد نلتُ الشّهادة، كانت تلكَ أخر كلماتهِ في هذهِ الدّونيا ومن تلكَ الكلمات أستمدُّ قوّتي باستمرار”

ومن بعدِ هذهِ الحادثة عادَ أبو مشعل إلى نزلةِ شحاذة” وكانَ يدخلُ بالعرباتِ المُصفّحة لنقلِ الجّرحى من رِفاقهِ إلى المشافي وسحبِ جثامينِ الشُّهداء، ومن ثمَ انتقلَ أبو مشعل إلى موقعٍ قريبٍ من شارعِ أبو الهيس وهُناكَ تعرَّضَت مجموعةٌ من رِفاقهِ للخيانة من قبلِ شخصٍ كانَ يدّعي أنّهُ رفيقٌ لهم” كانَ يُدعى بالأمريكي” وضعَ الأمريكي الحبوبَ المُخدرة لمن معهُ من المُقاتلين وكانَ يُعطي مواقِعهم لعناصِرِ داعش فانطلقَ أبو مشعل ومعه مجموعةٌ من رِفاقه وقاموا بالقبضِ على الخائِن في السّاعة الثانية ليلاً بعد أن كانَ متواجداً بإحدى نِقاطِ الجّبهةِ هُناك ومن ثُمَّ تمَّ تسليمُ الخائِن للجِّهاتِ المُختصّة”

بعدها دخلَ أبو مشعل مع القائِد العسكري”عكيد كرسبي” إلى مشفى الأطفال ونجحَ مع رِفاقهِ بالسّيطرةِ عليها وتحريرها من عناصِرِ داعش وفي الصّباح قامَ ورِفاقهُ بتثبيتِ نِقاطٍ مُتقاربة في محيطِ المشفى وعندَ السّاعة العاشرةِ من صباحِ ذاك اليوم وحينَ كانَ أبو مشعل يُنظِّمُ دخولَ رِفاقهِ إلى محيطِ مشفى الأطفال” ويُشرف على النِّقاط، تعرَّضَ لطلقةٍ استقرَّت في ساقِه لكنّهُ لم يتوقّف وتابعَ مسيره، وبعد لحظاتٍ من إصابته تمّ استهدافهُ ورِفاقه بقذيفةٍ صاروخية”

الإصابةُ وسامُ العِزِّ والكرامة:

حينها نظرَ أبو مشعل حوله حاولَ الوقوف لكنّهُ لم يستطع أُصيبت قدماهُ نتيجةَ ذاكَ الهجوم حاول الوصولَ إلى بندقيته لكنّهُ لم يستطع، ورأى ثلاثةً من عناصِر داعش يتوجّهونَ نحوه وقبلَ أن يقتربوا منه نفّذَ طيرانُ التّحالف الدّولي غارةً جويَّة في محيطِ المكان، وأصابَت الغارةُ عناصِرَ داعش، نظرَ أبو مشعل حولهُ فرأى رِفاقهُ يركضونَ نحوه وقاموا بنقلهِ إلى المشفى لتلَقي العِلاج”

حينَ وصلَ أبو مشعل المشفى في منطقة الجّزرة” كانَ فاقداً للوعي وبعدَ عدّةِ صدماتٍ كهربائِية أفاقَ أبو مشعل ورأى الأطبّاء يقفونَ حوله ويُضمِّدونَ جِراحه ومن ثُمَّ قاموا بِنقلهِ إلى مشفى القامشلي” وفي الطّريق كانَ أبو مشعل يُغني غيرَ مكترثٍ لإصابته، في موقفٍ مُضحكٍ مُبكي كما يصفهُ هو بقي يُغنِّي حتَّى أغمضَ عيناهُ قليلاً ليرتاح وحينَ وصلَ إلى مشفى القامشلي أجرى لهُ الأطبّاءُ عمليةً مُستعجلة وعندما أفاقَ أبو مشعل من أثرِ التّخدير رأى قدمهُ كُلُّها مُضمّدة وأخبرهُ الأطباءَ أنَّ هُناكَ عمليةٌ أُخرى لبترِ ساقه لأنَّها مُصابةٌ بشكلٍ خطير قد يؤثرُ على حياتِه..”

مراحلُ العِلاج:

حينها قالَ لهم أبو مشعل: الحمدُ لله..وبالفعل أجرىَ الأطبّاء عمليةَ بترٍ لساقِه اليُمنى، وبعدها زارتهُ والدتهُ وزوجتهُ برفقةِ شقيقه في المشفى للاطمئنانِ على صحّته، كانت معنوياتُ أبو مشعل عاليةً جداً وتماثلَ جسدهُ للشِّفاءِ بسرعة، ومن ثمَّ انتقلَ إلى مدينةِ “تل أبيض إلى دارِ الجّرحى هُناك، ومن تل أبيض” إلى مدينة عين عيسى ومكثَ في دارِ الجّرحى هُناكَ واستمرَّ بزيارةِ رِفاقهِ في الجّبهة وهوَ على دراجتهِ النّاريَّة، إلى أن تحرّرت الرَّقة من داعش بالكامل ومن ثُمَّ انتقلَ أبو مشعل إلى دارِ الجّرحى في الرَّقة ولا يزالُ يتردّدُ إليها حتَّى الآن” وبعدَ كلِّ ما حصلَ معه دوماً يُردِّدُ أبو مشعل جملةً اعتادَ عليها..ألا وهي” حياةُ الجُّبناءِ ليستْ لنا” وبهذهِ العبارة يُلَخِصُ أبو مشعل شخصيَّتهُ الفذّة”