قصة منبج، من بداية الأزمة السورية إلى تحريرها من داعش
تقع مدينة منبج على بُعد/ 30/ كم غربي نهر الفرات في الجهة الشمالية الشرقية لمدينة حلب والتي تبعد عنها مسافة/ 90/ كم؛ تعتبر منبج المعبر الاقتصادي الأساسي الذي يربط ضفتي الفرات (الجزيرة والشامية) بمدينة “حلب”، حيث لقبت قديماً ب “عاصمة العواصم”.
منبج
في قلب الثّورة السّوريّة
شاركت منبج في الاحتجاجات المناوئة لنظام الحكم السوري، فخرجت أول مظاهرة فيها في الواحد والعشرين من نيسان عام 2011.
وفي 19 من تموز عام 2012 خرجت المدينة عن سيطرة النظام، لتصبح تحت سيطرة الفصائل المُسمّاة ب “الجيش السّوريّ الحرّ”، ومعها دخلت المدينة في حالة من الفوضى والاقتتال المسلح بين تلك الفصائل، وانعدم الأمن والأمان، عندما تشكّلت فيها أكثر من/ 94/ كتيبة عسكريّة.
استمرّت الفوضى في منبج، إلى أن سيطر عليها تنظيم “داعش” الإرهابيّ في 24 كانون الثاني عام 2014، بعد أن لاذت بالفرار جميع الفصائل المنضوية تحت راية “الجيش السّوريّ الحرّ”، وتُركت المدينة وأهلها ليواجهوا إرهاب “داعش” الدموي.
لندن الصغيرة
بدأ عدد من مقاتلي التنظيم الإرهابي يتوافدون عبر الحدود التركيّة، أثناء رحلتهم من قلب أوروبا إلى قلب ما يسمى “بدولة الخلافة”، فأطلقوا على المدينة التي أقام بها ما يقارب من/ 100/ إرهابي من الجنسيّة البريطانيّة لقب “لندن الصغيرة”.
كانت منبج المحور الرّئيسيّ لإيصال الإمدادات والإرهابيّين من تركيّا عبر مدينة “جرابلس” الحدودية، فكانت لمنبج أهميّتها الإستراتيجيّة لوقوعها على الطريق الممتدّ إلى الرَّقّة والتي تعتبر معقل التنظيم الإرهابي و “عاصمته” المزعومة.
طريق الحُرّيّة
في الأول من نيسان عام 2016، عقدت قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة في منطقة “سدّ تشرين”، عدّة اجتماعات مع كتائب وثوّار من مدينة “منبج”، والذين لم يبايعوا التنظيم الإرهابيّ، وعلى إثرها تشكّل “مجلس منبج العسكريّ” الذي كان من أولوياته تحرير المدينة وريفها من سيطرة “داعش”، ليصبح المجلس جزءاً من قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة.
وفي الخامس من حزيران عام 2016، أعلنت قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة انطلاق حملة تحرير منبج، مدعومة من قبل التّحالف الدّوليّ ضدّ تنظيم “داعش” الإرهابيّ، وأُطلق على الحملة لاحقاً اسم حملة “الشّهيد فيصل أبو ليلى” بعد استشهاده في معارك تحرير المدينة.
بعد شهرين من القتال الدّامي، والذي قدّمت فيه قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة أكثر من/ 500/ شهيد وشهيدة؛ تمّ تحرير المدينة بالكامل، وذلك في 16 من شهر آب عام 2016، لتبدأ مباشرة حملة تحرير ريفها الغربيّ والجنوبيّ.
شكّل تحرير مدينة منبج، نقطة تحوّل هامّة وبداية لدحر مرتزقة “داعش”، للوصول إلى الرَّقّة عاصمة التنظيم المزعومة، كذلك اعتُبرت ضربةً قاصمةً للمشروع التركيّ في سوريّا، بعد فشل رهاناتها على تنظيم “داعش” الإرهابيّ، لذلك أطلقت دولة الاحتلال التركيّ، بعد أيّام معدودة من تحرير منبج، عمليّةُ ما تُسمّى ب “درع الفرات”، التي حاولت من خلالها الهجوم على منبج من أجل إعادة إحياء التنظيم الإرهابيّ الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولقطع الطريق أمام قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة لتحرير جرابلس والباب وصولاً إلى إعزاز.
برُّ الأمان والاستقرار
بعد تحرير المدينة؛ شُكّلت فيها إدارات مدنيّة وخدميّة من أهالي منبج، ضمّت جميع مكوّناتها العرقيّة والدّينيّة والسياسيّة، وحملت شعار إعادة المهجّرين إلى منازلهم، وبناء ما دمره الإرهاب، وتقديم أفضل الخدمات.
تعرّضت المدينة لمحاولات ضرب وزعزعة الاستقرار من قبل أطراف معادية عديدة استهدفت الأمن والأمان في المدينة، (إلاّ أنّ وقوف أبناءها صفّاً واحداً مع قوّات مجلس منبج العسكريّ وقوّات سوريّا الدّيمقراطيّة، في مواجهة كلّ التحدّيات)، أفضى إلى إفشال كلّ المخطّطات التي تُحاكُ خيوطها من قبل الاستخبارات التركيّة.
ولا يزال أهالي منبج يحتفلون في 16 من آب من كلّ عام بذكرى تحرير مدينتهم من ظلام الإرهاب، ليؤكّدوا مرّة تلو الأخرى، أنّ منبج ستبقى عصيّة على أعداء السلام والإنسانيّة.