عنصرية بالفطرة
محسن عوض الله كاتب مصري
أنت .. كردي ولّا عربي ؟ مسلم ولّا مسيحي ؟ سني ولّا شيعي ؟ مؤيد ولّا معارض ؟ أسئلة كثيرة لابد أن تمر بها فى البلاد العربية حتي نصل لسؤال أنت ابن مين فى البلد ؟؟ …………..
تبدو هذه الأسئلة جزء لا يتجزأ من منظومة حياتنا بالمنطقة العربية والإسلامية ، فالتمييز هو الأساس فى التعامل فى دولنا المنكوبة ، فمهما اختلفت جنسيتك ومهما بلغت درجة تعليمك فى البلاد العربية فالتعامل معاك يكون وفق إيدلوجيتك وقوميتك ودينك وذلك في ظل أنظمة تمارس العنصرية ضد شعوبها المقهورة ، أنظمة تري الحكم حق حصري لها ، أنظمة تضم لدائرتها المقربة من يتملق وينافق ويكذب لتصبح دائرة الحكم العربية عنصرية ضد كل شريف ووطني .
العنصرية فى دوائر الحكم العربية تمارس بشكل تلقائي بديهي ، وإن شئت فقل بالفطرة ، فأنت مستبعد ما لم تكن موالي للسلطة الحاكمة دينا ومذهبا وفكرا وعقيدة ، فإذا تساوي الجميع فى ذلك نصل لمرحلة “أنت ابن مين في البلد” لتشكل دائرة عنصرية جديدة ، عنصرية ضد الخاصة أو المقربين لتفرز منهم فصيل جديد أشد ولاءا للنظام وأشد استماتة فى تبرير أفعاله وجرائمه، الغريب أن كل ذلك يحدث فى ظل أنظمة ترفع شعارات العدل والمساواة !!
الشىء المثير للغثيان هو أن تلك الممارسات قد تتم بغطاء شرعي أو على الأصح يتم إلباسها لباس الدين لتنطوي على الشعوب المنكفئة على همومها ، ففي بلادنا المنكوبة إذا أردت التخلص من فئة أو جماعة أو قومية فما عليك سوي أن تسلط عليهم إعلامك ليشطنهم ويصفهم بالكفر والفسوق وخيانة الوطن، وما حدث بحق الأكراد فى سوريا والعراق خير دليل فقد شن نظام صدام حربا ألبسها لباس القداسة مقدسة ضد الأكراد راح فيها الأف الضحايا فى عملية عسكرية أسماها “الأنفال” فى محاولة رخيصة لربط جريمته بالإسلام ، كما تم حرمان أكراد سوريا من حق الحصول على الجنسية لعقود بدعوي أنهم ليسوا سوريين من الأساس !
كما سعت الأنظمة لترشيخ فكرة “التميز القومي” العنصرية بين شعوبها وهوما أفرز نوع من الشعور العربي بتضخم الذات والإحساس بالتميز عن بقية القوميات الأخري على اعتبار أنهم “خير أمة” أخرجت للناس رغم أن هذا الوصف أطلق على الأمة الإسلامية وليس العربية وقيده الله بشروط خاصة “تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ” بحسب الأية ..
نص الأية صريح فالخطاب موجه للمسلمين عموما وبينهم بالتأكيد الأكراد والتركمان والأفغان والعجم وكل موحد لله ، مؤمن برسوله الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم وكل من إلتزم سبل اصلاح المجتمع ولم يعث فى الآرض فسادا ولم يتكبر على خلق الله ، عاش إنسان محب للحياة ساعيا لنشر قيم الخير والتسامح والعدل .
الغريب أن النظرة الدونية من الأنظمة العربية تجاه القوميات الأخري وخاصة الأكراد والتي عادة ما ترتبط باتهامات العمالة لأعداء الأمة والسعي لتقسيم الأوطان ، رغم أن العرب أخر من لهم الحق فى اتهام غيرهم بهذه الصفات خاصة أن اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت تركت الخلافة العثمانية التي كانت أخر كيان جامع للأمة الإسلامية ، استخدم البريطانيين وفق ما كشف من بنود الإتفاقية بعض الأطراف العربية في الحجاز وبعض القوميين العرب كأدوات سياسية وعسكرية في عملية تقسيم الأمة .
ختاما .. لن تقوم لتلك الأمة قائمة مالم نعود أمة واحدة بتساوي فيها الجميع فى الحقوق والواجبات ، أمة لا تعرف التمييز وتتخلص من العنصرية التي أفرزتها الأنظمة الحاكمة على مدار عقود ذاقت فيها الشعوب الأمرين أريقت فيها دماء فى سبيل الدفاع عن قومية ، وقتل فيها الأف الأبرياء بدوافع قومية ..
الأمة بحاجة لتحالف عربي كردي قائم على مرجعية الإسلام التى لا تعرف العنصرية ولا تفرق بين أبيض ولا أسود عربي أو كردي أو أعجمي ، تحالف مثل هذا كفيل بتحقيق نهضة الأمة التي طال سباتها .