الدولة القومية فى فكر أوجلان
محسن عوض الله
منذ استقلالها فى منتصف القرن العشرين لم تعرف الدول العربية سوى نظام واحد للحكم ، وشكل واحد للدولة .
تغييرت أسماء الزعماء ،والقادة والملوك ، والإمراء ، ومازلت الدول العربية كما هي ، فى منطقة العالم الثالث ، تتحرك فى المستوى المرسوم ، وتتقدم فى إطار ضيق ، وتتراجع بلا سقف ، معدل تأثيرها فى الكون لا يعتد بها ، لن يتأثر العالم كثيراً حال غيابها ولن يتقدم فى ظل بقاءها ، فهي كالنحلة التي هبطت على نخلة ولم أرادت الرحيل قالت لها أيتها النخلة تماسكي فإني راحلة عنك فردت عليها قائلة ” والله لم أشعر بك وأنت تهبطين أفشعر برحيلك” !
اعتمد العرب طوال تاريخهم على صيغة الدولة القومية ، ونظام الحكم المركزي ، وسياسة الزعيم الملهم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
ورغم ثبوت تخلف ورجعية تلك الصيغة من الدولة القومية التي عفا عليها الزمن ، وتحول معظم دول العالم لدولة المواطنة ونظام الحكم الفيدرالي الأ أن العرب ظلوا على وفائهم لسايكس بيكو التي فرقت وحدتهم وصنعت حدودهم المهترئة .
ربما لا يعرف كثيرون من القوميون أن مصطلح الدول العربية بشكلها الحالية وتقسيماتها الحدودية لم يمر علي وجودها 100 عام من الأن وهي بذلك فى حساب الزمن حديثة الولادة ، فالقرن الميلادي لا يمثل مدة زمنية كبيرة فى تاريخ الدول والمجتمعات، فما بالك بدول لم يتجاوز عمرها الثمانون أو التسعون عاماً .
حظيت الدولة القومية بقدر كبير من البحث والتناول فى فلسفة السيد عبد الله أوجلان وظهر ذلك فى سلسته مانيفستو الحضارة الديمقراطية.
يقول أوجلان فى كتابه “أزمة المدنية وحل الحضارة الديمقراطية بالشرق الأوسط” أن الدولة القومية ليست كما يروج لها مراراً بأنها الشكل الأساسي للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان بل هي فى الحقيقة نظم انكار لكل تلك القيم ، مشيراً إلى أن المجتمع البشري لم يعرف طيلة تاريخه حدوداً من نمط الدولة القومية فهي حدود مخالفة لطبيعة الإنسان الثقافية .
أوجلان الذي قضي قرابة العقدين من عمره خلف سجون الظلم مدافعاً عن فكرته فى التحرر كرس جل وقته فى البحث عن أفضل صيغ التعايش ونقد الواقع بالشرق الأوسط .
وبرأي أوجلان فإن الدولة القومية تسعي دائماً لاخضاع الوطن والمجتمع لإداراتها فهي أشبه بسجن للوطن والمواطن حيث يقول ” قد ترسم الحدود لأجل الأراضي ، كما يؤدي استقرار المجموعات البشرية على أرض ما واندماج المكان مع الثقافة المدنية والمعنوية إلى تكوين مصطلح الوطن ، وتؤثر عمليات الاستقرار الطويلة المدى بنحو مهم فى تكوينات الهوية أيضاً على شكل قبائل وأقوام ، ويغدو مصطلح الوطن بهذا المعني أمراً لا غنى عنه للمجتمعات ، ولكن المشكلة تبدأ مع قيام الدولة القومية التي تسعى لاخضاع الوطن والمجتمع الذي يحتويه تحت هيمنتها ، فكلما فرض مفهوم التجانس اللغوي والثقافي كلما تحول الوطن والحدود إلى مكان احتجاز مشدد على المجتمع .
ويعتبر أوجلان أن الدولة القومية التي يُعلي من شانها على الدوام ويطلب الروح والدم والعقيدة إكراما لها ، والتي تعكس على أنها الإختراع الذي ينذر الجميع أنفسهم ويضحون فى سبيله أنما هي اله الحداثة الحقيقي التي سعى أصحاب القوة والمصالح المادية إلى تجسيدها عينيا فى هيئة دولة ، فالدولة القومية بمثابة قفص حديدي للمجتمعات والصراع فى سبيلها هو المحاربة من أجل الراسمالية .
هذه النظرة أو الحقيقة التي تكشفت أمام أوجلان دفعته للبحث عن صيغة أفضل للحياة بعيداً عن سجن الدولة القومية التي يتجمع البشر خلف قضبانها المفتوحة وهم يعتقدون زوراً أنهم أحرار .
يقول أوجلان فى كتابه القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية ” إن الأكراد أمة أكبر من فكرة الدولة القومية وإذا كان الكرد أمة فمن الضروري وجود دولة لهم بيد أنني انتبهت إلى أن مصطلحي الحرية والمجتمعية أثمن بكثير من الدولة .
توصل أوجلان خلال سنوات سجنه لما أسماه حل الأمة الديمقراطية الذي يرفض الدولة القومية بكل أشكالها باعتبارها أحد أشكال السلطة المتوغلة في المجتمع .
يري أوجلان أن الأمة الديمقراطية هي التي يتشارك فيها جميع مكونات المجتمع بلا تمييز لقومية او إقصاء لعرق أو دين ، أمة يحكم فيها الشعب نفسه وفق نظام فيدرالي تتوزع فيه السلطات والثروات ، نظام لا يوجد فيه زعيم ملهم ولا وزير مقرب ، لا حصانة فيه لمسؤول ولا أقصاء فيه لخفير ، الكل سواسية أمام القانون .
أعتقد أن فكرة الأمة الديمقراطية تمثل أفضل الصيغ للحياة وأقربها لقيم الحق والعدل والحرية والتي هي أسمى مبادىء الإسلام الذي هو من المفترض المرجعية المعلنة في دساتير معظم الدول العربية التي آن لها الأوان أن تنتقل لمرحلة المواطنة والديمقراطية وتهرب من زيف القومية التي لم نجني منها سوي العنف والفقر والجهل .