أثناء سيطرة تنظيم داعش على الرقة قُبيل تحريرها عانى أهالي هذه المدينة الأمرَّين بسبب سيطرة هذا التنظيم المستبد والظالم، حيث كان يُطبّقُ أفكاره الإرهابية التكفيرية على أهالي هذه المدينة البسطاء الذين لطالما كانوا مسالمين، فالبعض سُجِنَ والآخر قُتِلَ بِحُكمِ القَصاص والبعض الآخر ماتِ جرّاءَ قصف الطيران الروسي للمدينة، وجرّاء هذا تَيَتَّمَ الكثير من الأطفال والكثير من النساء أصبحوا أرامل، وأصبحوا يُقاسون مرارة وقساوة الحياة في ظل سيطرة هذا التنظيم الإرهابي.
خولة حمد الشناعة والتي يُناهز عمرها الأربعين سنةً لديها ستُّ أطفال ثلاثَ فتيات وثلاث فتيان، وابنها الكبير إبراهيم الذي كان في السابعة عشر من عمره ماتَ جرّاء قصف الطيران الروسي للرقة قُبيل تحريرها ومعظمهم قاصرون، أمّا زوجها فقد توفّي بأزمةٍ قلبيةٍ في بداية الثورة السورية.
وتعيش هذه الأرملة على الصَّدقات والزكاة أو ما تيسّر من فاعلي الخيرِ في الرقة، امرأةٌ لا حولَ لها ولا قوة وليس لها مُعيلٌ غير الله، تُخبرنا أم اليتامى عن قصتها وهي تذرفُ دموع الحُرقة على ما عانتهُ من قساوة الحياة وظلم الظالمين فتقول: كُنّا من قبل نعيش حالةً ماديةً ميسورةً، لكن بعد وفات زوجي ومن بعدها ولدي الذي مات في قصفٍ للطيران الحربي الروسي تدهورت حالتنا المادية بشكلٍ كبيرٍ، حيث كان ولدي إبراهيم يعمل وكانت أمورنا ميسرة، لكن بعد استشهاده لم نكن نُدرك ما نفعل كنتُ أنظرُ لأعين أولادي وأنا اتحسَّرُ عليهم وفؤادي يعصرني لأني لا استطيع أن أوفر لهم حياةً كريمةً.
وأكملت الأم حديثها وهي تذرفُ الدموع: عندما رأيتُ حالتنا كان يجبُ أن أفعل شيئاً فحياة أولادي كانت على المِحكّ، لذا اشتريتُ كرتونةً من عُلب الدُّخان وصرتُ أبيعُها بالسّرِّ خوفاً من أن يعرف التنظيم ذلك، فأصبحتُ أستطيع أن أعمل في هذا المجال، حيث بعد شهرين استطعتُ أن اشتري الكثير من علب الدخان وأتاجر بها، وبعد فترةٍ أخرى أصبحتُ أتاجرُ بكمياتٍ كبيرةٍ حتى جاء اليومُ الذي شَعَرَ به التنظيم بعملي، وللأسف الشديد بسبب المُخبرين في الحيّ الذي كُنت أسكُنُ فيه، فجاء عناصر التنظيم وسجنوني وجعلوني أُوقّعُ على تعهُّدٍ إن تاجرتُ من جديدٍ سوف يُطبقونَ بحقيّ حَدَّ قطع اليدين والقدمين من خلاف.
وبعد خروجي وتوقيعي للتعهُّد خرجتُ من السجن ولكن استمريتُ بهذه التجارة لأنه لا مَفرّ لي ولأطفالي من الجوع سوى هذه التجارة، فتابعتُ العمل وبعد فترةٍ قصيرةٍ استطعتُ أن أجمع مبلغاً من المال وأشتري به رافعةً، حيث وضعتُ كلَّ ما أملكُ بهذه الرافعة وطبعا كان معي شُركاء، وكنا نُهرّبُ الدخان بالرافعة حيث كنا نخبّئُها فيها، ولكن عندما أكتشفَ التنظيم هذا صادروا الرافعة وحُكِمَ عليَّ بالقَصاصِ ،فهربتُ من المدينة ورجعت بهوية أختي الشخصية، هذا ما حدث معنا بشكل مختصر ولم يبقَ لنا شيءٌ، صدقوني لم أترك عملاً إلا وعملت به، عملت ببيع فُتاتِ الخبز اليابس وعملت بجمع البلاستيك وبيعه.
وأضافت في ختام حديثها وهي تروي لنا حالتها: الأمر صعبٌ جداً علينا ولم يبقَ لدينا شيءٌ سوى أرواحنا البائسة، منزلي مهدومٌ وأسكنُ في منزل أحد فاعلي الخير وأولادي وبناتي صغارٌ بالعمر وفوق كل هذا لديَّ ولدي أسامة لا يرى في الليل، لأن لديه مرضٌ يُسمى سباق الشبكية وهذا المرض لا يُمكن علاجه بسوريا، ورغم كل ذلك نقول الحمد لله على كل شيءٍ وأشكر ربي أنه يوجد فاعلي خير يتصدّقون علينا ولولاهم لكنّا قد مِتنا من الجوع، لنا الله وسيرأف بحالنا وهو لا ينسى أحداً.
إذاً هذا هو حال الأم خولة وأطفالها أنها ليست أول حالة فكثيرون من مثل هذه السيدة التي ليس لها أحدٌ سوى الله، عائلاتٌ فاتحين أيديهم أمام ربهم ومُذرفين دموع الحُرقة من أعماق قلوبهم ليترأف بحالهم، أعان الله قوماً ليس لهم راعٍ.
المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية