فادي عاكوم
مع دخول الأزمة السورية منعطفاً جديداً قد يؤدي قريباً جداً إلى إنهاء الصراع المسلح الدائر منذ سنوات، بدأت بعض الدول الفاعلة إقليمياً ودولياً بإرساء الأسس التي ستتصرف من خلالها بحصتها من الكعكة السورية في المستقبل، ومن بينها دون أي شك إيران التي استماتت وأماتت المئات بل آلاف السوريين والمقاتلين المتعددي الجنسيات، ليس حباً بالنظام القائم بل حفاظاً على مكتسابتها “التوغلية” في المنطقة الممتدة من طهران إلى بيروت.
وهنا قد تبرز بعض العقبات أمام القوات الكردية الصرفة الممثلة بالتنظيمات المنتشرة في الشمال السوري، كما ستواجه قوات سوريا الديمقراطية العقبات نفسها، فإيران من دون شك ستضغط على حلفائها المقربين كروسيا وتركيا والنظام السوري للحد من فعالية هذه القوات والتي أصبحت إحدى أوراق اللعب الأساسية في سوريا الآن ومستقبلاً، وبات الجميع يعلم أنّ أي طرحٍ للحلّ في الشمال السوري لا بد وأن يتم من خلال إيجاد صيغة تفاهمية مع القوات الكردية العسكرية والسياسية.
ورفض إيران لتدعيم القوة الكردية ينبع من رفضها لأي تجمع كردي خارج حدودها حتى لا يتم فتح الباب أمام أكراد الداخل، فهي تعاني في الوقت الحالي من المشاكل الداخلية التي لا تعد ولا تحصى، والتي وصلت إلى حد التظاهر والمصادمات بسبب الأوضاع المعيشية المتردية في جميع المحافظات الإيرانية، وأي استمرارٍ لانتشار القوات الكردية في سوريا سيكون دافعاً ومحفزاً لأكراد إيران للعودة إلى الواجهة مرة أخرى، خصوصاً وأنّ النار ما تزال تحت الرماد وحالة الرفض المجتمعي الكردي موجودة وبقوة لنظام حكم الملالي في إيران.
إيران مطمئنة بالنسبة لأكراد تركيا، فالضغوط عليهم ممارسة وممنهجة من قبل النظام التركي الحاكم، أما أكراد العراق فلا حول لهم في ظل التعقيدات الدولية الموجودة في العراق والتي تمنعهم من التحرك بالحرية المطلوبة منهم، وبالتالي لا يتبقى إلا أكراد سوريا، وبسبب الارتباط المباشر مع واشنطن والبنتاغون، فسيكون أي تحركٍ ضدهم معرضا للمواجهة المباشرة مع واشنطن على الأرض، خصوصاً وأن الأوضاع الحالية لا تستحمل أية ضربات جديدة موجهة لقيادات الحرس الثوري ومناطق تجمع هذا الحرس ومعسكرات الميليشيات التابعة له.
ومن هنا فإنّ الأمر (أي ممارسة الضغط) سيكون من خلال الأوراق الروسية والتركية، والتي يتم تبادلها مع واشنطن لإيجاد الصيغ النهائية للحل المتوقع في الشمال السوري، إلا أنّ واشنطن وبعد فشل دعمها للفصائل المعارضة أكثر من مرة لم يتبقى لها إلا قوات سوريا الديمقراطية والقوات الكردية، وهو أمرٌ لا يمكن الاستغناء عنه إلا ضمن الصفقات الكبرى والتي لم يتم طرح أي منها حتى الآن.
والسؤال هنا، هل يثق الأكراد بواشنطن؟، وما حجم التأكيدات الأميركية لمستقبل القوات الكردية والمناطق الكردية، والسؤال الآخر هو هل من الممكن في ظل هذه التعقيدات أن يتسلل الأكراد إلى الجانب الروسي لضمان الوجود، خصوصاً أنّ السياسة تتيح كل التحركات إذا كان الثمن هو البقاء أو عدمه.
واشنطن مصرّة الآن وستصرّ مستقبلاً على ضمان أمن الحدود مع العراق، وهي ترى في قوات سوريا الديمقراطية خير حليفٍ لها على الأرض لضمان وقف التسللات التي يقوم بها الإرهابيون من وإلى العراق، وقد تم فعلاً الاتصال بين الجيش العراق وقوات سوريا الديمقراطية للتنسيق بهذا الشأن، وهو أمرٌ لما كان سيتم لولا وجود الخطط الأميركية ذات البعد الاستراتيجي لضمان النفوذ في المستقبل.
أما بالنسبة للاتصال مع النظام السوري بشكل مباشر، فهو أمر واردٌ جداً إنما قد ينحصر في مناطق معينة، حيث تفرض خريطة الانتشار العسكري هذا الأمر، إلا أنه لن يتعدى بعض المناطق والبعيدة نسبياً عن مناطق الشمال ذات البعد الاستراتيجي للأكراد، والتي تتعلق بالأطماع التركية نظراً للقرب الجغرافي، وبالتالي فإنها ستحمل بعض التعقيدات بسبب قرب النظام الإيراني من تركيا من ناحية، والحلف القوي بين النظامين السوري والإيراني من ناحيةٍ أخرى.
وكخلاصة… فإنّ الأوضاع الحالية تحتاج للكثير من الدقة والحذر، والتعاطي السياسي الاستراتيجي البعيد عن الخطط التكتيكية، ويلزمه بالتالي فريق عملٍ مفاوض سياسياً من الطراز الرفيع لضمان المكتسبات والحفاظ عليها لأطول فترة ممكنة، لأنّ المكتسبات الحالية أتت بفرصةٍ قد لا تتكرر، والتشابكات الدولية الحالية لن تتكرر هي الأخرى.