عند وصولي إلى مدينة الرقة فكرت كثيراً في هؤلاء المقاتلين؛ كيف يحاربون دون أحذية عسكرية و يرتدون في قدمهم مشايات (شحاطة), لكن الآن ادركت كيف بإمكانهم القتال بهذا الشكل.
محمد من مدينة الرقة وبسبب اهتراء حذائه بقي في المعارك 3 أسابيع بدون حذاء.
المعارك على أرض روج آفا و شمال سوريا ضد مرتزقة داعش قريباً ستدخل عامها الخامس, وخلال هذه السنوات كانت نظمت العشرات من الحملات بقيادة الـ YPG خلالها تم تحرير المئات من القرى, مزارع, مدن وبلدات المنطقة. واليوم قوات الـ QSD تضرب داعش في عاصمتها و معقلها الأخير في الرقة.
عاصمة داعش هي مدينة الرقة؛ حيث أعلنت فيها دولة الخلافة, أغلب الهجمات الإرهابية التي تعرض لها العالم خططت لها من هنا, وهنا أيضاً أبناء الشعب الكردي وعموم شعوب سوريا بالإضافة إلى المقاتلين الأمميين من جميع أصقاع الأرض يقاتلون داعش وقريباً سيعلنون نهاية داعش في الرقة.
أنا هنا منذ شهر في الجبهات الأمامية لقوات QSD استمع إلى قصصهم التي تثير العجب.
في الرقة التقينا بأحد مقاتلي الـ QSD هذا المقاتل استشهد ثلاثة من أشقائه ووالده على يد داعش, اسمع قصته و استغرب, حدثنا أنه يقاتل داعش هنا ليثأر لذويه الذين قضوا حياتهم على يد داعش و يقوم بمغادرة المكان.
المقاتل حدثنا أن داعش سكب البنزين على أفراد أسرته و احرقوهم، حدثنا عن الكثير من القصص المرعبة على هذا الشكل حصلت في الرقة.
هذا المقاتل يقاتل داعش الذي فرض الجاهلية على الناس هنا، ويحارب من أجل استعادة إنسانيته وأرضه.
هذا المقاتل وأمثاله الذين يقاتلون أعداء الحرية, الإنسانية والمرأة, و بالنظر إلى ما مروا به من مأساة حصلت في مناطق شمال سوريا، يقاتلون من أجل استعادة الكرامة والإنسانية التي انتهكت على يد داعش, هنا لا يحق لأحد التطاول على الحقيقة حيث نشاهد ونسمع ونلمس ما يحصل.
يقاتلون في ظروف جوية تصل درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية
الرقة … ها نحن في المراحل الأخيرة لهذه الحرب. لماذا درجات الحرارة ارتفعت إلى 50 درجة الآن؟
أنا من مدينة لندن خلقت في مدينة الضباب والمطر؛ واليوم في درجة حراة تصل إلى 50 درجة اكتب لكم الأخبار عن حملة الرقة.
الرجال والنساء على جبهات القتال يقاومون من أجل الحرية, كيف يتحضرون لهذه المعارك؟ ماذا يأكلون؟ أين ينامون؟ كيف يؤمنون لأنفسهم متطلبات العيش اليومية؟
المقاتلون الكرد, العرب وغيرهم والأمميين كيف ينتقلون من نقطة لأخرى؟ وكيف يقاتلون؟
سأحاول الوصول إلى الجانب المجهول والغير معروف عن ما يحصل في المعارك وحتى البعض لا يرغب في معرفته من أجل أن أوضحها لكم.
حملة الرقة بدأت على محورين, قوات QSD وبشكل تحاول حصار داعش داخل مركز المدينة تقوم بتحركات كبيرة والتخطيط لذلك.
حملة الرقة تضم نحو 7 آلاف مقاتل في جبهات القتال بينهم مقاتلين من مدينة نيو يورك وحتى مدينة روما، والكثير من مدن ودول العالم أعمارهم من 18 عام و حتى 60 عام جنباً إلى جنب يقاتلون إرهاب داعش.
الفتيان ما دون سن الـ 18 عام ممنوعين من الوصول إلى جبهات القتال، هذا لأن الـ QSD تهتم جيداً وتحافظ على ميثاق جنيف المتعلق بهذا الأمر، حيث يتم إخراج جميع المقاتلين ما دون سن 18 من بينهم و إعادتهم إلى ذويهم, الذين يصرون على الانضمام إلى QSD يوضعون في مقرات المؤخرة وقرى تبعد على الأقل مسافة 20 كم عن جبهات القتال.
مقر القيادة والتنسيق لقوات الـ QSD ومن أجل إيصال الإمدادات والمؤن إلى جبهات القتال؛ تعمل بكل جهد ومن أجل إتمام مهامها في بحاجةٍ إلى جيش وعدد كبير من المقاتلين. وفي ظل هذه الظروف الصعبة والقاسية، وإتمام هذه المهمة لا تقل صعوبة عن خوض المعارك في الجبهات الأمامية.
يرسلون الثلج إلى الجبهات الأمامية
في ظل هذه الحرارة الشديدة قوات الـ QSD يصنعون الثلج ويوصلونها إلى المقاتلين في الجبهات الأمامية, لكن هذا لا يكفي؛ فالعدو الثاني بعد داعش هنا هي حرارة الجو.
القتال في درجة حرارة 50 هي من أصعب المهام في العالم. كما يتم تأمين 3 وجبات للمقاتلين كل يوم.
حرارة الجو أكبر من درجة حرارة الرصاصة
يتم إيصال المشروبات الغازية والعصير إلى المقاتلين 4 مرات في اليوم، وهذا أيضاً لا يكفي, الطعام يحضر في المقرات اللوجستية، وتبعد مسافة لا تقل عن 10كم عن جبهات القتال، وتوضع في عبوات بلاستيكية، ومن ثم تنقل بالعربات إلى القرب من الجبهات، ويحصل المقاتلون في الأسبوع عدة أيام على الخضرة، ليقوموا بتحضير أكلهم بأنفسهم في حال أتيحت لهم الفرصة. الخبز متوفر بشكل كبير في الجبهات الأمامية للقتال، ويرسل كمية تكفي ليومين لكل مقاتل في الجبهات الأمامية.
المقاتلون تحت وابلٍ من الرصاص
عندما أشاهد المقاتلين يجتمعون على وجبة من البرغل تحت وابل الرصاص, القصف الجوي والهجمات الانتحارية ادرك مرةً أخرى مدى قيمة هذه الحرب الأسطورية. إلى الآن لم أسمع أحدهم يقول أنا جائع وأنا عطشان.
معركة الرقة هي معركة المدن, داعش ليست كما كانت في السابق؛ ففي الفترة الأخيرة بدأت تستخدم التكتيكات العسكرية وهجمات انتحارية بدقة وأسلوب مختلف، حيث تمكنت من تطوير نفسها. داعش صنعت مدينة أخرى تحت المدينة، وصنعت المئات من الخنادق تحت الأرض تصل ببعضها البعض، ولا أحد يعرف نهايتها .الرقة أصبحت تشبه الجحيم.
أثناء كتابتي هذه يتم تحرير قرية (كسرة عفان) من مرتزقة داعش, بقيت مسافة 2كم فقط تفصل الجبهة الشرقية عن الجبهة الغربية، وبعد التقاء الجبهتين تتمكن قوات الـ QSD من السيطرة على طرفي نهر الفرات.
ما هي النقطة؟ في معارك المدن تعد النقطة هي المكان الذي تحدد تنقل وتقدم القوات من مكان لآخر. وفي حملة تحرير الرقة بقيادة الـ YPG و YPJ يتم الاستيلاء علي نقاط داعش، أو تأسيس نقطة قريبة منها للسيطرة على تحركاتهم.
في جبهات القتال الحصول على استراحة يعد نوع من الرفاهية
في النهار تهاجم داعش من خلال عملياتٍ انتحارية, بعد مغيب الشمس تزداد هجمات داعش؛ لهذا الجميع في نقاطهم يتحركون ويراقبون بكل حذر.
مقاتلو الـ QSD و بنظامهم الجماعي يفسحون المجال أمام بعضهم البعض للاستراحة، والنقاط التي من الواجب أن يتم التحكم بها بعدد لا يقل عن 8-10 مقاتلين يعملون على تأمينها بعدد اقل أي 2-3 مقاتلين فقط، و يتبادلون المناوبات. فالنوم عدة ساعات في جبهات القتال بعد تعب كبير يعد أمراً عظيماً.
في الجبهات الأمامية النظافة تعد أمراً هاماً جداً بالنسبة للمقاتلين؛ جميع مقاتلي YPG , YPJ و QSD يقومون بتنظيف نقاطهم.
المقاتلون الذين يقومون بتمشيك المنازل المحررة بعد المعارك، يقومون أيضاً بجمع النفايات والتخلص منها. رغم جميع الظروف الصعبة للمعارك، إلا أن قوات الـرYPG و YPJ لا تتخلى عن القيم الإنسانية وأخلاقها العظيمة، وهذه الأمور التي تثير الدهشة أكثر لكل من يتابعهم عن قرب.
المشكلة الأكبر هي الأحذية
احدى أكبر مشاكل المقاتلين هي الأحذية و الجوارب, والسير بدون حذاء على أرض الرقة الحارقة مشكلة أكبر. المعدن والركام تتسبب باهتراء الأحذية بشكل سريع. أحياناً ولأسباب كثيرة يضطرون إلى القتال بدون أحذية وبدون جوارب. وكل يومان أو ثلاثة حتى تتاح لهم فرصة غسل جواربهم, لكن وللأسف مشكلة الأحذية تبقى قائمة.
المقاتلون الذين تهتري أحذيتهم ينتظرون أحياناً 4-5 أسابيع حتى يحصلوا على حذاء جديد على قياس أقدامهم, هذا ليس بسبب تقصير من الفرق اللوجستية إنما غالباً ما لا تتناسب مقاسات الأحذية مع مقاس أقدامهم.
يقاتلون مرتديين المشايات (الشحاطة)
المقاتلون من أبناء المنطقة المنضمين إلى الـ QSD لا يقاتلون لابسين المشايات، إنما لبس المشايات يعد جزء من تقاليد أبناء المنطقة, القليل منهم يرتدون الأحذية. تعودوا على الحركة بهذه المشايات بين التراب والأنقاض.
وفي بداية مجيئي إلى الرقة كنت أفكر كثيراً في هؤلاء؛ كيف يقاتلون وفي أقدامهم مشايات تعيق حركتهم, لكن الآن حلَّ اللغز, أبناء المنطقة قادرون على القتال بالمشايات, محمد من أبناء الرقة؛ وبسبب اهتراء مشايته فضَّل القتال بدون حذاء لمدة 3 أسابيع حتى حصل على مشاية جديدة.
الجميع يقاتلون من قلبهم وبإيمان قوي
الآن لنتحدث عن الموضوع الأساسي. يقولون:” أمريكا قدمت السلاح لقوات الـ QSD والكثير من الدعم. بالنسبة للمقاتلين والحقيقة أنهم لا يسمعون هنا مثل هذه الأخبار، لأن لا وقت لديهم كما لا يهتمون ولا يصدقون مثل هذه الأخبار, هم هنا فقط من أجل تحرير أرضهم.
أنا هنا منذ شهر في جبهات القتال؛ وأراقب ما يحصل، وما لاحظته أن هؤلاء المقاتلين جميعهم يقاتلون بكل قوة وبكل طاقاتهم.
طائرات التحالف الدولي تهاجم مركز مدينة الرقة والتي تبعد مسافة 14 كم, لكنها أحياناً تتدخل في المعارك. الحقيقة عندما نشاهد المقاتلين الحفاة يقاتلون بدون أحذية نستطيع القول أن الـ QSD لا تعتمد على أمريكا مطلقاً، وكل من يقول هذا الكلام يعيش في أحلام و يتوهم ذلك.
المقاتلون يخوضون المعارك بأضعف الأسلحة وأقل ذخيرة, أحياناً يسمح لهم بإطلاق رصاصة واحده, الجميع يملكون البندقيات الآلية, ولا أحد يستخدم سلاح M16 الأمريكي الذي لن يعمل أكثر من يومين.
هنا لا توجد أسلحة تطلق من خلال الكمبيوترات كما يقال بل الموجود هنا بندقية كلاشينكوف, ب ك س , ب-7.
الجرحى ينقلون إلى المستشفيات
الجانب المؤلم هنا هو عملية نقل الجرحى إلى النقاط الطبية، حيث توجد أول نقطة إسعافيه في منطقة (سمرى) في الرقة, من ثم يتم نقل الجرحى الذين تكون جراحهم بليغة إلى مستشفيات الحسكة وقامشلو.
قوات الـ QSD من كافة أراضي روج آفا يقاتلون داعش في قلب عاصمة الخلافة؛ مدينة الرقة وهناك سيقضون عليها.