فادي عاكوم
لا يهم من سيرتاد الكنيسة الجديدة التي شيدت في كوباني، لا يهم إن كانوا مسيحيين أباً عن جد أم حديثي العهد، فالمهم إن أبسط مبادئ الثورة الحقيقية طبقت وهي حرية المعتقد والفكر، والأجمل أن يتم الأمر في منطقة تديرها الإدارة الذاتية المتهمة أساساً بممارسات تقيد الحريات الشخصية والدينية، كما أن الأمر تم أيضاً في منطقة يتهم أبطالها بالإلحاد ومعاداة التوجهات الدينية، فسقطت الاتهامات جميعها على أرض الواقع بالقول والفعل لا بالكلام.
الأمر ليس مقتصراً على الكنيسة والتي قال كثيرون أنها عبارة عن عرض أو حركة استعراضية يقوم بها القيمون على إدارة المنطقة، فالمسجد الأكبر في منطقة الشمال السوري سيكون في كوباني أيضاً وسيتم افتتاحه قريباً بعد أن شارفت عمليات الإنشاء على الانتهاء.
كوباني تضم أيضاُ رمزاً ثالثاً، وهو أكبر مدفن لمقاتلين قضوا على يد الحركات المتاسلمة والداعشية، والذين خاضوا معارك تعتبر الأشرس ضد الإرهاب خلال القرن الواحد والعشرين، كما أن كوباني وكما لا يخفى شهدت أكبر مجازر قامت بها جماعات ضد المدنيين تحت ستارة الدين.
لو لم يكن العقل أساساً محركاً في مدينة كوباني لربما رأينا أكبر تجمع للإلحاد ليس في الشرق الأوسط بل في العالم أجمع بسبب الممارسات اللاإنسانية التي ارتكبت بحقهم باسم الدين، لكن على العكس فإن الشعود الديني أياً يكن اتجاهه سائد في المدينة بعيداً عن التعصب والحسابات الضيقة التي لا قيمة لها.
الأمر المهم بكنيسة كوباني أنها ستؤكد رمزية كوباني المقاومة للإرهاب، فأبنائها هم من يحمونها، وربما نفس من بنى الكنيسة أمس يبني الجامع اليوم، ومن حمى الكنيسة منذ اليوم الأول لافتتاحها يحمي المسجد والمنازل وكوباني وباقي المنطقة، بينما من تشدقوا بتنفيذ أحكام الله دمروا الكنائس والمساجد والمنازل وخطفوا الأرواح ولا يزالون إرضاءً لأسيادهم الأتراك وغير الأتراك.
ولا بد من التذكير، بأن عدد كبير من مرتادي كنيسة كوباني أو بمعنى أصح العدد الأكبر من المسيحيين في كوباني، هم من مسيحيي المناطق التي دخلت أليها أرتال مجرمي الحاكم العثماني كعفرين وغيرها، أي أنهم هربوا من مناطقهم بسبب دخول هذه الجحافل البربرية التي لا تميز الخير من الشر، فنزح المسيحيين من مناطقهم إلى مدينة كوباني التي احتضنتهم بكل ما في الكلمة من معنى، وها هي اليوم تقدم لهم هذه الكنيسة لممارسة طقوسهم بسلام فقدوه بسبب الأطماع الأردوغانية في منطقتهم.
كنيسة كوباني برمزيتها شكلت ضربة موجعة لمخططات أردوغان الذي يتذرع بمحاربة الإرهاب في المنطقة، ولطالما غمز من قناة حماية الأقليات وشاغل أوروبا بمسيحيي المنطقة، لكن ها هم الآن المسيحيين يمارسون طقوسهم وعياداتهم كما المسلمين في مشهد بارز في الشمال السوري الذي تحول إلى مسرحاً لأبشع مسرحية في التاريخ السوري، حيث يقتل السوري السوري خدمة لأسياده، ويحطم الصليب والهلال لرفع رايات أردوغان الحمراء.