حسين العثمان
مرت العلاقات الأمريكية التركية بتقلبات وفصول مختلفة على مر العقد الأخير، وكان التوتر الحاد يصل للذروة خلال الفترة الماضية وخاصة بعد تَسَلّم إدارة ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض، وازداد التوتر في ظل وجود رئيس جديد للدبلوماسية الأمريكية خلفاً لتيلرسون.
وما قضية القس الأمريكي إلا ظاهرة من بين تلك الظواهر التي كرست الانقسام الحاد في العلاقات.
وتصريحات الرئيس التركي حول استقلالية موضوع العدالة والقضاء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة التركية وشماعة عدم المساس بالأمن القومي التركي، ما هي إلا تتزيف من فتور العلاقات بين البلدين.
وفي تموز/يوليو، حذر أردوغان الولايات المتحدة، من أن فرض عقوبات لن يجبر أنقرة على “التراجع” في قضية القس الخلافية ونقلت صحيفة حرييت التركية عنه: “على الولايات المتحدة ألا تنسى أنها يمكن أن تخسر شريكاً قوياً ومخلصاً مثل تركيا ما لم تغير موقفها”. وبيّن أن: “تغيير الموقف مشكلة ترامب، وليس مشكلتي”، واصفاً التهديدات الأميركية بـ”الحرب النفسية”.
كل هذه التصريحات والوتيرة المتزايدة في التصريحات أمام الرأي العام التركي، ذهبت أدراج الرياح وتلاشت من خلال إطلاق سراح القس والخضوع للشروط والإملاءات الأمريكية عن طريق استخدام الولايات المتحدة نموذج السياسة الناعمة مع الأتراك.
إن الخطاب السياسي الذي يتبناه أردوغان هو خطاب دعائي نمطي لا يتجاوز خطوط البروبوغندا الإعلامية الصارخة من خلال تتبع مقابلاته وإطلالاته، فقد صرح مسبقاً خلال عملية إسقاط الطائرة الروسية أنه لن يقدم أي اعتذار لبوتين عن هذه الحادثة، لكن ما حدث بعد فترة وجيزة هو التراجع مرغماً، لتقديم التنازلات والاعتذار تحت وطأة العواقب التي ستلحق الضرر الكبير بعلاقات روسية وتركية وخاصة في المجال الاقتصادي.
ولا ننسى أيضاً موقف أردوغان من موضوع العلاقات التركية الإسرائيلية، ومسلسل البطولة الدعائي في الدفاع عن غزة، وقضية أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة وتصريحاته النارية حول قطع العلاقات .. والتراجع عنها في وقت لاحق.
لذلك لا نستغرب الرضوخ والتراجع التركي عن كل ما قيل وصرح عنه اردوغان في فترات سابقة.
ما هو الثمن الذي سينجم عن هذا الإفراج وما هي محددات الدور التركي في المرحلة المقبلة على الساحة السورية.
ما هو مستقبل العلاقة والتفاهمات التركية الروسية فيما يخص مناطق خفض التصعيد في سوريا.
كلها أسئلة تحتاج لإجابات ضمن سياق التفاهمات الجديدة.
لكن التصريحات التي أطلقها أردوغان عقب الإفراج عن القس، وتهجمه على مناطق شمال وشمال شرق سوريا لم تكن إلا عبارة عن تشويش وإدارة الأزمة بأزمة، وتضليل للرأي العام التركي حول موضوع تراجعه عن موقفه السابق.
لكنه أدرك في حقيقة أمره أن علاقاته مع الروس هي مرحلية ومؤقتة وليست ضامنة لاستقرار الوضع في تركيا. وأدرك جيداً بعد العقوبات الأمريكية أن الاقتصاد التركي وصل إلى حافة الهاوية ولابد من إعادة العلاقات إلى سكتها الصحيحة والقبول بكل الشروط الأمريكية حتى تلك التي تخص الوضع في شرق الفرات.
فالعودة للحضن الأمريكي الدافئ أفضل من الحضن الروسي البارد. فهل سيكون الروس راضين عقب هذا التقارب، أم سيكون لهم رأي آخر.
تقديم الولاء من جديد لبيت الطاعة الأمريكي هو بمثابة اختبار حقيقي لتركيا في الأيام المقبلة.