تعدَّدُ القِصص والحَالات الإنسانيةُ المؤلمة الَّتي خلَّفتها الحربُ السُّورية، وألحقت الضّرر بالكثيرِ من السُّوريين، ومن بينِ هذهِ الحالات، حالةُ أبو صالح” الَّذي تركت في جسدهِ الحربُ جراحاً عميقة تكادُ تكونَ مؤلمةً أكثر من جِراحِ وطنه…
أبو صالح” هو أحدُ النّازحينَ من باديةِ تدمر في ريفِ مدينةِ حمصِ السُّوريَّة، انتهىَ بهِ المطاف في مُخيَّمِ المحمودلي للنّازحين والَّذي يقعُ شمالَ مدينةِ الطّبقة على مسافةِ خمسةَ عشرَ كيلومتراً، كانَ أبو صالح يعملُ في البادية في تربيةِ المواشي وتِجارتِها، لم تُفلح الباديةُ وشقائُها بإبعاده عن شبح الحَربِ وأضرارِها فكانَ لهُ مِنها نصيبٌ كبير,
حينَ تقدّمَ النِّظامُ السُّوري إلى منطقته الَّتي يقطنُ فيها وبدأَ بشنِّ الغاراتِ الجّويّة على الأهالي هُناك، ركبَ أبو صالح سيّارتهُ وتوجّهَ نحوَ مناطقِ قوَّاتِ سوريا الدّيمُقراطية بحثاً عن الأمان الَّذي فقدهُ من حياتِه بلمحِ البَصر، وخِلالَ طريقِ الوصولِ إلى الرّقة، أُصيبَ أبو صالح بأحدِ الألغامِ الأرضيَّة الَّتي خلّفها عناصرُ تنظيمِ داعش في ريف الرَّقة، وعلى إثرِ تلكَ الإصابةَ دفعَ أبو صالح ساقهُ ثمناً للأمانِ الَّذي أرادهُ وعائِلته حيثُ تمَّ بترُها من فوقِ الرُّكبة، ممَّا جعلهُ عاجزاً عن مُمارسةِ حياتِه بشكلٍ طبيعي، وما أثقلَ كاهلهُ أكثرَ هي عائِلتهُ الَّتي لم يعد يستطيعُ تأمينُ لقمةِ العيشِ لها.
وعلى الرَّغمِ من إصابته لم يستسلم أبوصالح حاولَ أن يعملَ مِراراً ليُعيلَ عائِلته لكنّهُ لم يجد سبيلاً لذلك فانتهى بهِ المطاف في مُخيّمِ المَحمودلي تحتَ ظلِّ خيمةٍ مُرقّعة لا تُغني عنه من بردٍ ولا تقيهِ من حرارةِ الشّمسِ الحارقة، ويعتمدُ في معيشتهِ على الإعاناتِ الإنسانية الَّتي تُقدّمُ لهُ في المُخيّم رغمَ أنَّها لا تكادُ تكفي شيئاً.
وبعدَ مرورِ سنواتٍ على إصابته تمكّنَ أبو صالح من تركيبِ طرفٍ صِناعيٍّ لقدمه وبدأَ يعتادُ عليه، ولكنَّ فرحتهُ لم تكتمل فلا يزالُ أبو صالح يتألّم.
يذكرُ أنَّ هُناكَ الكثيرُ من الحالاتِ المُشابِهةِ ضِمنَ المُخيّم فأبو صالح ليسَ الوحيدُ ممّن أرهقتهُ الحَرب، وقد يكونُ حالهُ أفضلَ بكثير مّما أصابَ غيره خلالَ سنواتِ الحَربْ الَّتي أثقلتْ كاهلَ عُمومِ السُّوريين.