خاضَ معترَك الحياة ومصاعبها، وانتصر في معظم صولاته وجولاته، واستطاع تذليل العقبات التي اعترضت مسيرة حياته رغم شدّة إصابته، إلا أنّها لم تستطع كبح جماحه والنيل من إرادته؛ بل زادت من إصراره على متابعة معركة الحياة والتغلّب عليها..!!
إنَّه ابن مدينة البوكمال “صلاح جاسم عبد الرزّاق” من مواليد 1978، ليروي لنا قصّة إصابته مع انطلاق الأزمة السّوريّة.
يتذكّر “عبد الرزّاق” – بمرارة – ظلم النِّظام البعثي، وما سبّبه من ويلات هائلة للشَّعب السُّوريّ على امتداد جغرافيّة الوطن. تبدأ مأساته منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة لاستبداد النّظام في مدينة البوكمال وتعرّضها لقصف مكثّف من قبل طيرانه وآلته الحربيّة الغاشمة.
يقول “صلاح عبد الرزّاق” إنَّه أثناء تواجده في مدينته “البوكمال”؛ تعرّضت إحدى البيوت القريبة منه لقصف من قبل الطيران؛ فهبَّ الأهالي لإنقاذ الجرحى والمصابين، بينما انتظر البعض ومن بينهم “صلاح” مغادرة الطائرة سماء المدينة، خوفاً من بطش النّظام الذي لم يُميّز بين طفل وامرأة، بل تعمَّدَ إلى قصف المدنيّين الأبرياء، في محاولة للنيل من عزيمتهم ووقوفهم ضُدَّ طغيانه. وعندما تقدَّم “صلاح” ومجموعة من الأهالي لمساعدة جرحى القصف لإنقاذهم؛ لم يدركوا أنَّ طائرات النِّظام ستعود لقصفهم ثانية أثناء إجلائهم الضحايا الأبرياء من تحت الأنقاض.
ويضيف “عبد الرزّاق” أنَّه أثناء محاولتهم إزالة الرُّكام، تعرّضوا لقصف مكثّف من الطائرات الحربيّة للنِّظام، حيث خلّف عدداً كبير من الشُّهداء والجرحى المدنيّين، وألحق أضراراً كبيرة في الحي والمباني التي يقطنها المدنيّين العُزّل.
تعرّض “صلاح عبد الرزّاق” لإصابات فقد إثرها إحدى يديه وعينيه، وبقي في غيبوبة لمدّة 15 يوماً، ليصحو بعدها وتبدأ رحلة المعاناة الجديدة، في ظلِّ حصار مُطبقٍ وقصف همجيّ متعمّد على كافّة أرجاء المدينة.
إصابته أعاقت حركته مع مرور الأيّام وزادت من عمق مأساته ومعاناته، ورغم محاولاته الكثيرة للبقاء في مدينته، إلا أنَّه لم يستطع الاستمرار في ظلِّ الظروف المأساويّة التي مرَّت بها مدينة البوكمال، فاضطرَّ للنزوح إلى مناطق الإدارة الذّاتيّة التي تتمتّع بالاستقرار والأمان مقارنة مع باقي المناطق التي تقبع تحت اضطهاد النِّظام، الذي يتعامل بوحشيّة مع قاطنيها، حسب قول “عبد الرزّاق”.
ويصف “عبد الرزّاق” بأنَّ المواطنين في مناطق الإدارة الذّاتيّة يستطيعون العمل بحُرّيّة تامّة وممارسة نشاطاتهم اليوميّة، دون أيَّ قيد. ويضيف أنَّ ما تعرَّضَ له من إصابات، ومن ثُمَّ نزوحه وتركه منطقته، زادت من معاناته في ظلِّ الظروف الصعبة التي تثقل كاهل المواطنين، خصوصاً أنَّ أسرته كبيرة وله 6 أولاد، بينما هو المُعيل الوحيد لهم.
تبدأ رحلة البحث عن عمل يقيه عوز الحاجة ويؤمّن له ما يَسدُّ رمق عائلته، لكنَّ إصابته كانت عائقاً أمامه، فلم يتمكّن من إيجاد عمل يتناسب مع قدراته وإصابته. وبعد عناء شديد وتعاطُفِ من أهالي المنطقة معه؛ استطاع العثور على عمل في مكبس للقرميد (البلوك) ومواد البناء ليعمل 8 ساعات متواصلة، كي يستطيع تأمين متطلّبات الحياة ومستلزمات عائلته الضروريّة، لتتمكّن من الصمود في ظلِّ الظروف القاسية التي تعيشها المنطقة عموماً.
ويشير “صلاح عبد الرزّاق” أنَّه رغم إصابته الشديدة، إلا أنَّه لا يفكّر بترك عمله ولا يقبل أن يعيش بفضل مساعدة الأهالي له؛ بل يُصرُّ على تأمين مستلزمات عائلته من عمله وتعبه، وبما يحفظ له كرامته وعزّة نفسه.
وشدّد أنَّه يتمتّع بكامل الحُرّيّة والاستقرار في مناطق الإدارة الذَّاتيّة، ولا يفكّر الآن بالعودة إلى مدينة البوكمال، لأنَّه لا يستطيع تحمّل رؤية من تسبّب له في الإعاقة والمعاناة، ويتذكّر المأساة التي حلّت به مرّة ثانية.