صلاح مسلم
بينما كنتُ أستمع إلى نصر الحريري؛ رئيسِ وفد الهيئة العليا للمفاوضات، وهو في تصريح إعلامي من إسطنبول وهو يخاطب شعبه السوريّ، وكأنّه القائد المنتصر الجبّار، الذي خرج للتوّ من معركة ظافراً عظيماً وهو يقول في خطابه: (إنّ الثورة السورية سلميّة والآن سوف تخرج المظاهرات والهتافات في كلّ المحافل…)، شعرت وكأنّي أعيش في عالم ثانٍ، أو أنّه يعيش في عالم ثانٍ، فلم يرتوِ هو وأمثاله من كلّ هذا الدم المسال عبر هذه السنوات السبع العجاف على سوريا في الوسط والداخل والجنوب والغرب…، وعبر منظومة الإرهاب الداعشيّ السوداء، ولمّا يقتنع بعد أنّ الشعب السوريّ ينحو نحو الديمقراطيّة، وهو لا يتوقف أبداً أمام سيل الديمقراطيّة الجارف عبر الشمال السوريّ.
لم يقتنع بعد أن الناس في الداخل السوريّ لا تستمع إليه، فالباصات الخضر وهي تنقل المجاهدين من دمشق والقلمون وحمص وحلب… نحو إدلب لا تحتوي على تلفزيونات، ولا يوجد نت في المناطق المدمّرة ولا يوجد ماء وكهرباء…، وقد نسَوا اللغة العربية، بعد أن انقطع الطلاب سبع سنوات عن التعليم، فالمدارس كلّها قد تهدّمت.
أيّها السيّد القابع في إسطنبول، لو أنّك قابع هنا في موقع الحدث وأنت ترى وتشاهد المشهد السياسيّ والاجتماعيّ المؤلم، وترى الثكالى والمصابين والأسرى والشهداء…. فهل شيّعت شهيداً واحداً؟ هل تستطيع أن تخرج عن مسار السلطان الذي يسيّرك؟! وهو يقودك نحو الهاوية.
نقولها لك ونحن في قوّتنا وفي قمّة عزيمتنا ونحن عند المقدرة والقدرة على إنجاز المستحيل: (لا تنس موعدك مع انتهاء أمثالك، فأنت وأمثالك ينازعون).
لقد ضاقت الأرض السوريّة ذرعاً بهذه الخطابات الشوفينيّة الرعناء وهي تصارع من أجل الحصول على لقمة حرّيّة، بعيداً عن هذا الألم الذي يجوب حنايا الوطن الذي يرمّم نفسه بنفسه، ويعيد الديمقراطيّة من فم الوحوش المفترسة، فما بالك وأنت لا تمثّل أحداً ولا تمثّل إلّا نفسك ولا تمثّل إلا الفئة الباغية التي باعت روحها للأعور الدجّال في إسطنبول.
وعندما تتمعّن في خطابه الموجّه إلى الشعب السوريّ وكأنّه الفيلسوف المفكّر القائد في المعركة، تشعر بالهزيمة في كلامه، فهو بعد كلّ هذه السنين من النضال بعيداً عن الوطن، يتأمّل في تصريح ديمستورا الأخير الذي يعلن فيه هذه المعارضة الإسطنبوليّة، وهو يقول لهم: (عليكم أن تعيدوا النظر…) وهو يعلن صراحة فشل المعارضة وانتصار النظام، ثمّ يبدأ الحريري بذمّ الأمم المتّحدة، والآن باتت قرارات الأمم المتّحدة لا تعنيه، وصار يتأمّل هذه القرارات التي ينتقي منها ما يرضي السلطان العثماني الذي يتحرّك بإمرته.
لابدّ من القول: إنّ أمثال الحريري حتّى لو كان على أعتاب القبر فلن يعترفوا بالديمقراطيّة الحقيقيّة الموجودة في الشمال السوريّ، وإن كان يقولها للمرّة الأولى (قوّات سوريا الديمقراطيّة) دوت وصفها بالأوصاف المستنكرة، كأنه إعلان مبطّن لنجاح مشروع الشمال السوريّ والهزيمة التي تلاحقه.