هي ثورة وإن رآها البعض غير ذلك ، هي بداية جيدة وإن شابها القصور ، هي نظام جديد لم تعهده العرب وأن اتهموها بكل شائنة ، هي فيدرالية شمال سوريا أو روج آفا كما يسميها الأكراد .
لم تشهد سوريا ديمقراطية على مدار عقود من حكم البعث شأنها فى ذلك شأن معظم الدول العربية ولذا كان طبيعي أن تلحق سوريا بموجة الانتفاضات العربية فى 2011.
وقف النظام لثورة الشباب السوري بالقنابل والبراميل المتفجرة ، أشعل سوريا ناراً على أهلها ، قتل وشرد, مئات الآلاف من القتلي والجرحي ، وهرب الملايين من حجيم القتل لأوربا كلاجئين .
خلال سنوات الحرب أصبحت سوريا مرتعاً لأجهزة المخابرات والقوي العسكرية الإقليمية ، فحول النظام يتواجد الروس بأسلحتهم الغاشمة وصواريخهم التي لا ترحم ، كما تتواجد إيران بميليشاتها الطائفية ، ومع المعارضة تظهر تركيا أردوغان ذو الألف وجه فهو حامي حمي الثورة الساعي لإسقاط بشار تارةً حتى إذا اعترضت موسكو يتحول إلي مكافح الإرهاب الداعشي الصامت على جرائم بشار .
أما في الشمال فهناك مشروع يستحق الإحترام ، هناك حياة جديدة تنمو وتتشكل ، هناك فيدرالية تتأسس وديمقراطية تحبو ، هناك روج آفا التي تعتبر المسمار الحقيقي فى نعش النظام السوري ، فإن كانت ثورة الشعب السوري فشلت فى إسقاط الأسد فإن ثورة روج آفا نجحت فى تقليم أظافر النظام تمهيداً لإسقاطه بالكامل فى القريب العاجل .
بدأت خطوات إسقاط النظام فى سوريا وتحقيق أهداف الثورة والثأر لدماء الشهداء الذين سقطوا بقنابل الأسد وبراميله المتفجرة عندما أعلن الأكراد والقوي المتحالفة معهم بشمال سوريا النظام الفيدرالي كنظام للحكم وذلك فى مارس من العام الماضي وتم الإعلان عن مجلس تأسيسي ونظام رئاسي مشترك لإدارة شؤون الإقليم الذاتية .
وفى خطوة توافقية ، أعلنت الإدارة الذاتية فى ديسمبر 2016 تغيير أسم فيدرالية روج آفا إلى النظام الإتحادي الديمقراطي لشمال سوريا لتصبح الإدارة معبرة عن كل شعوب الشمال السوري ويتم إشراك كافة المكونات والطوائف فى الإدارة الذاتية.
وفى الثامن والعشرون من يوليو الماضي كانت الخطوة الأهم فى طريق إسقاط النظام البعثي فى سوريا ، عندما قرر المجلس التأسيسي للنظام الفيدرالي الديمقراطي لشمال سوريا تحديد يوم 22 سبتمبر الجاري، موعداً لإجراء انتخابات (الكومينات) في النظام الفيدرالي” ، كما جرى تحديد يوم 3 نوفمبر من العام الجاري، موعداً لإجراء انتخابات الإدارات المحلية ، كما حدد المجلس يوم 19 يناير عام 2018، موعداً لانتخابات الأقاليم ومؤتمر الشعوب الديمقراطي في شمال سوريا.
انتخابات الكومينات التي لا يفصلنا عنها سوي أيام قليلة يمكن وصفها بالتاريخية والمفصلية فى تاريخ سوريا ، فهي أول انتخابات تجري خارج سيطرة النظام فضلاً عن كونها أول انتخابات تجري ونتائجها غير معروفة وتشارك فيها كافة القوي والتيارات والقوميات دون استبعاد لتيار أو إقصاء لقومية .
نزاهة الانتخابات ستعزز وترسخ لشرعية فيدرالية الشمال السوري وتنتقل بثورة روج آفا من مرحلة الشرعية الثورية وسياسة الأمر الواقع إلى مرحلة الشرعية الدستورية والصندوق الانتخابي.
أهمية انتخابات الكومينات تكمن فى كونها أولى خطوات السلم التشريعي فى فيدرالية الشمال فهي رسالة للعالم أن الفيدرالية تسير على خطى الديمقراطية وتسعي لتطبيقها وهو ما يعزز من فرص الإعتراف الدولي بالكيان ويمنحه الشرعية الدولية ويزيد فرص تعميم التجربة بكافة المناطق السورية واعتماد الفيدرالية كحل مثالي للأزمة السورية ، وعندها يكون النظام السوري قد سقط بالكامل وأنتهت أسطورة الحزب الواحد والزعيم الملهم متعدد المواهب صاحب كل المناصب .
دعم التجربة الديمقراطية بشمال سوريا واجب على كل سوري محب لبلاده وانتخابات الكومينات فرصة كبيرة للتعبير عن هذا الحب ، على السوريون أن يسعوا جاهدين لانجاح التجربة ، فإسقاط النظام أصبح له طريق آخر غير الدم والنار ، أصبح للصوت الانتخابي قيمة ، وصار الصندوق وسيلة التغيير الجديدة فى سوريا الفيدرالية التي تقبل بالجميع دون تفرقة بين عرق أو جنس أو دين ..
محسن عوض الله كاتب مصري